دقت جمعيات المجتمع المدني بزاكورة ناقوس الخطر، من الأوضاع التي وصلت إلى المنطقة، خاصة والوحات التي بدأت في الموت التدريجي، وذلك نتيجة توالي سنوات الجفاف، وقلة التساقطات المطرية، إضافة إلى الاستنزاف المتزايد للفرشاة المائية الباطنية، من خلال الزراعات التي احتلت المنطقة.
ويعرف الجفاف من المنظور الجغرافي أنه ظاهرة طبيعية تندرج ضمن دورة المناخ ويمكن أن تحدث في أي مكان من العالم وتتسم بعدم التساقطات المطرية أو قلتها بشكل كبير على المعدل الطبيعي المعتاد عليها في كل منطقة الشيء الذي يؤدي إلى نقص وندرة المياه.
وبسبب توالي سنوات الجفاف بالمغرب عامة وبإقليم زاكورة على وجه الخصوص، أطلقت هيئات المجتمع المدني والفعلين في المجال البيئي، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، “هشتاغ أنقذوا واحات المغرب”، وذلك للتحسيس بخطورة الوضع الذي تعاني منه وحات المغرب عامة، وبزاكورة على وجه الخصوص، والتي شارفت على الموت.
أسباب الظاهرة وصرخة مدوية
عن أسباب هذا الجفاف، قال العربي بغزي دكتور في الجغرافيا الطبيعية، “إنه من أهم أسباب هذه الظاهرة في المغرب بشكل عام يعود إلى تأثير التغيرات المناخية بشكل كبير على المنطقة وكذلك إلى الموقع الجغرافي للمملكة، إذ تتموقع في نطاق مناخ جاف إلى شبه جاف مع تاثير التيارات الصحراوية بشكل كبير، بالخصوص في المناطق الجنوبية والجنوب الشرقي للملكة، ونظرا لغياب الحواجز الطبيعة (الجبال بالخصوص) بين هذه المناطق والصحراء الكبرى، فإن التيارات الجافة تتوغل بشكل كبير وتتغلب على التيارات الباردة القادمة من الشمال.
وأوضح بغازي، في تصريح لجريدة القضية بريس الإلكترونية، أن امتداد فترة الجفاف بشكل طويل في مناطق الجنوب الشرقي عن غيرها بالمملكة، يكمن في عامل التضاريس، حيث تقف سلاسل جبال الأطلس الكبير والأطلس المتوسط كحاجز للتيرات الهوائية والمنخفضات المطرية القادمة من الشمال، والتي تفرغ حمولتها في هذه السلاسل الجبلية والمناطق الشمالية للمملكة، كذالك سيادة الكتل الهوائية الجافة القادمة من الصحراء الكبرى في هذه المناطق.
وأكد المصدر ذاته، أنه، من أهم العوامل المساهم في هذه الظاهرة خاصة في السنوات الأخيرة، تتجلى في زيادة حدة التغيرات المناخية في هذه المنطقة إذ تعتبر مناطق الجنوب الشرقي من أكثر المناطق على مستوى المملكة تضررا من هذه التغيرات والتي تبرز فيها بشكل كبير. ومن أهمها طول الفترة الجافة في السنة الهدرولوجية وكذالك اختلال الدورة المناخية والتي ترافقها ظواهر جانبية كالجفاف وارتفاع درجة الحرارة عن معدله الطبيعي، هذه الاخيرة تساهم بشكل كبير في تبخر المياه السطحية والباطنية بكميات كبيرة، ونشوب حرائق داخل الواحات واختلال النطام الميكروموناخي ذاخل هذه المنظومة الاكولوجية.
من جهته قال جمال أقشباب، أقشاب رئيس جمعية أصدقاء البيئة بإقليم زاكورة، إن الإقليم اليوم، يشهد وضعية مقلقة وصعبة، بسبب جفاف دام لمدة سبع سنوات، خلال الفترة الممتدة ما بين 2014 و2022، اتسمت بتراجعت التساقطات المطرية بشكل كبير، لم تتعدد في هذه الفترة 30 ملم سنويا، بالاضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل مهول بين 0,5 ودراجة واحدة، وخلال فصل الصيف تصل درجات الحرارة بالجنوب الشرقي المغربي إلى 50 درجة، وكذا ارتفاع نسبة التبخر من ألف ملم إلى 1500 ملم، ارتفعت كذلك نسبة التصحر وزحف الرمال من 200 هكتار إلى ألف هكتار، هذا الجفاف القاسي حسب شهادة الفلاحين بمختلف مناطق واحة درعة، يعد أقسى جفاف عرفته هذه المناطق، والذي أدى إلى نضوب المخزون المائي، سواء تعلق الأمر بالمياه السطحية أو المياه الباطنية، فالمياه السطحية فسد المنصور الذهبي لا تتعدى حقينته 10%، وهو ما يعادل 60 مليون متر مكعب، وهذا السد هو الذي يشكل شريان الحياة لأزيد من 26 ألف هكتار من واحات النخيل بإقليم زاكورة، والآن لم تعد هناك طلقات منتظمة للسد نظرا لقلة المياه فيه، وهو ما فاقم المشكل أكثر.
نقص في الموارد المائية الجوفية وتفاقم الظاهرة
عبر أقشاب عن أسفه لما وصلت أليه حالة المواد المائية بزاكورة، خاصة الجوفية منها، والتي تعاني وفق المتحدث ذاته، من الاستنزاف بشكل كبير، نظرا لسياسة فلاحية خاطئة في مناطق الواحات، وذلك بتشجيع زراعات دخيلة، تساهم في زيادة النقص في هذه المادة الحيوية، ويتجلى الأمر في زراعة البطيخ الأحمر، حيث بدأت زراعته في إقليم زاكورة سنة 2008، مع بداية ما يعرف بمخطط المغرب الأخضر، في هذا الوقت بالتحديد لم تكن عدد الهكتارات المزروعة لا تتعدى ألفين هكتار، ولكن بعد توالي السنوات ارتفعت المساحات المزروعة، حتى وصلت في سنتي 2016 و2017، إلى أزيد من 20 ألف هكتار، وهذه الزراعة حسب الدراسات تستنزف أزيد من 15 مليون متر مكعب من المياه الجوفية، والتي تعد مصدر سقي جذور النخيل، بالاضافة إلى كونها مصدرا للأمن المائي والماء الصالح للشرب، هذه الزراعة بالاضافة إلى التغيرات المناخية أدت إلى نتائج وانعكاسات خطيرة داخل مناطق الواحات، التي تعد تراثا حضاريا وانسانيا، لعبت أدوارا اساسية في استقرار السكان، وشكلت مهد للحضارات القديمة، من خلال النقوش الصخرية المتواجدة في مختلف أنحاء الإقليم، وهذه العوامل كلها أدت إلى موت الألاف من حقول النخيل وحولت الحقول إلى مساحات جرداء يابسة، تساهم في زيادة نسبة الحرائق بالمنطقة، ففي السنتين الماضيتين التهمت ألسنة النيران، حوالي 40 ألف نخلة.
تأثيرات إقتصادية وهجرة نحو الحواضر الكبرى
سجلت مناطق الجنوب الشرقي للمغرب، وخاصة جهة درعة تافيلالت، في السنوات الأخيرة هجرة كبيرة نحو مدن الداخل، وذلك هروبا من التغيرات المناخية والظواهر الطبيعية التي يسببها الجفاف الحاد، وفق رئيس جمعية أصدقاء البيئة.
وأشار المتحدث ذاته، أن هذه الحالة التي وصفها بالمزريةالتي باتت تعيشها واحات درعة، تسبب في انعكاسات كثيرة، طالت الجانب الاقتصادي بالمنطقة، حيث كان المدخول الفلاحي والنشاط الاقتصادي بالمنطقة مرتبط بتسويق التمور، وبعد تكالب هذه العوامل وفقدان المنطقة لشراينها الاقتصادي الأول، انتشر الفقر والبؤس بشكل كبير، بالاضافة إلى ارتفاع في نسبة الهجرة القروية نحو المدن الكبرى، بالإضافة إلى أزمة العطش التي عصفت بالمنطقة بشكل كبير، وهو ما يستدعي التدخل العاجل لإيجاد حلول مناسبة لهذه المشاكل.
حلول مبتكرة والحد من الظاهرة
منذ أن عرفت هذه الربوع موجات متتالية من الجفاف لمدة ليست بالهينة، والأرض هناك لا تدر من المحاصيل إلا القليل، نظرا لنقص الموارد المائية، حتى باتت الوحات وفق الفاعلين بالمنطقة، صحاري جرداء.
وبخصوص هذا الموضوع قال العربي بغازي، أن الحل من أجل إعادة احياء الواحة، يتجلى في المحافظة على الموروث الهدرولوجي، لكونه يعتبر الخطرات وطريقة توزيع المياه داخل هذه المنظمات الاكولوجية من أنجع الحلول، لأنها ساهمت منذ آلاف السنين من حماية هذا الموروث من الزوال وظلت صامدتا أمام كل التغيرات المناخية التي عرفتها الكرة الارضية. بالإضافة إلى استزراع المناطق الصحراوية بأنواع من النباتات التي تقاوم هذه الظروف القاسية، واعادة تدوير واستعمال المياه العادمة للسقي داخل الواحة من أجل استعادة مناخها ومجابهة التيارات الصحراوية الجافة.
من جهته، أكد رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة، أن ما باتت تعيشه الواحات بزاكورة، تستدعي تدخلا عاجلا من السلطات المحلية، وكذا إعلانها منطقة منكوبة، واعداد برامج لمواجهة هذا الجفاف ونتائج التغرات المناخية بالمنطقة.
وأشار إلى أن الجمعية تطالب بتفعيل القوانين الوطنية في مجال البيئة، خاصة الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية، والميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، وقانون الماء، بالاضافة إلى خلق نموذج تنموي خاص بالمناطق الواحية، من أجل تشجيع زراعات استراتيجية لزراعة النخيل، والحد الزراعات المستنزفة للماء، والبحث عن بدائل زراعية من خلال المنتوجات الطبية والعطرية المقتصدة للماء.