يعيش إقليم زاكورة تحت وطأة قلة الموارد المائية، وذلك راجع بالأساس إلى قلة التساقطات المطرية، بالإضافة إلى الجفاف الذي ضرب الإقليم خلال سنوات متتالية مضت، ومع حلول فصل الصيف من كل سنة ترتفع أصوات ويكثر السؤال حول وضعية هذه البقاع، التي تأبى حلول الأرض أن تتوافق مع طبيعتها، وما يزيد من تفاقم الأزمة المائية هناك نشاط زراعات دخيلة على المنطقة ساهمت بشكل كبير في استنزاف ما تبقى من القطرات الجوفية من الماء، وفق تعبير بعض المهتمين بالبيئة في الإقليم.
ففي وقت ليس ببعيد كان عمق الآبار في زاكورة لا يتجاوز 12 متر للوصول إلى المياه في بعض المناطق (أكدز على سبيل المثال)، أصبحت اليوم تتجاوز ما يفوق العشرين مترا، وفي أماكن أخرى من الأقليم يتم تجاوز هذا العمق بأضعاف، لعلهم يجدون مياه جوفية تلبي كل احتياجاتهم.
ندرة المياه بإقليم زاكورة
يقول جمال أقشباب، رئيس جمعية أصدقاء البيئة بإقليم زاكورة، إن إقليم زاگورة، يعاني من جفاف غير مسبوق استمر لمدة سنوات، وبالموازاة مع ذلك شهد الإقليم ارتفاعا في درجة الحرارة بشكل تدريجي، ما أدى إلى زيادة نسبة المياه المتبخرة، إلى جانب ارتفاع نسبة التصحر، مردفا أن الضرر لحق بالمياه السطحية، والجوفية بعد ذلك، باعتبار أن واحات النخيل التي تشتهر بها المنطقة، تعتمد في سقيها عليهما معا، ومشيرا إلى أن سد أحمد منصور الذهبي كان هو المزوّد الرئيس لزاكورة بهذه المادة الحيوية، وذلك من خلال طلقات متجددة لمياه الري، قبل أن يتم توقيف هذه الطلقات، ما غير الوجهة صوب المياه الجوفية التي تم استنزافها بشكل كبير، يضيف ذات المصدر
وتعيش ساكنة إقليم زاكورة، منذ سنوات على وقع مشاكل في مدها بالماء الشروب، حسب تصريح حصري للفاعل الجمعوي والحقوقي محمد أمين الأبيض
عوامل نقص الموارد المائية
بات مشكل نقص الفرشاة المائية من بين الأسباب التي أدت بالإقليم إلى فقدان العديد من شرايين الحياة هناك.
في هذا السياق، عدّ جمال أقشاب أسباب هذا النقص في الفرشة المائية، حيث بدأ بما أسماه “السياسة الفلاحية الخاطئة”، وهو تشجيع زراعة “دخيلة على المنطقة” حسب تعبيره، وهي زراعة البطيخ الأحمر التي أشار إلى أنها قد بدأت سنة 2008، مبرزا أنها استنزفت من المياه، ما كان كفيلا بحفظ الأمن المائي لإقليم زاكورة.
ومن جانبه قال محمد لمين (فاعل جمعوي وحقوقي) إن مشكلة المياه هاته، تعود إلى زراعة فاكهة البطيخ الأحمر، التي تعرف بها مجموعة من أقاليم المملكة من بينها الجنوب الشرقي، وأردف أنه رغم قرار عامل الإقليم بتقنين وتحديد زراعة هذه الفاكهة في هكتار لكل ضيعة، إلا أن ضعف المراقبة خلال فترة عرف فيها الإقليم تساقطات مطرية، حمل بعض الفلاحين على تجاوز القرار العاملي، ما أدى إلى تفاقم الأزمة، مشيرا إلى أن هؤلاء المخالفين فرضت عليهم غرامات مالية.
مخلفات نقص الموارد المائية
إن النقص الحاد الذي يعرف الجنوب الشرقي في الموارد المائية خاصة إقليم زاكورة، جعله ينتظر فرجا من السماء يأتي على شكل قطرات موسمية رغم قلتها، فبالرغم من أنها لا تحل المشكل لكنها تخفف من وطأته، وهو ما سبب في العديد من المشاكيل.
وهو ما أوضحه رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة، جمال أقشباب، “تراجع المخزون المائي بإقليم زاكورة، نتج عنه هلاك آلاف من النخيل بمختلف الواحات التابعة له، وتحوّل حقول هذه الواحات إلى حقول جرداء، تتوفر فيها كل دواعي انتشار الحرائق، مضيفا أن من بين النتائج أيضا، تراجع مدخول الفلاحين، الذين كانوا يعتمدون على عائدات بيع محاصيل التمور، من أجل العيش، ما أدى لانتشار الفقر وارتفاع نسبة الهجرة نحو مدن الشمال.
وإلى جانب كل هذا، قال رئيس جمعية أصدقاء إن مجموعة من الجماعات بإقليم زاكورة، تعيش “أزمة مياه خانقة، في وقت لا تعي فيه السلطات، ولا المسؤولون عن الشأنين المائي والفلاحي خطورة الوضع”، مبرزا أن جمعيته طالبت من عامل الإقليم، بإصدار قرار يعتبره (إقليم زاكورة) “منطقة منكوبة”، من أجل إثارة انتباه الجهات المركزية، حتى تضع مشاريع وبرامج لمواجهة هذا التحدي.
وقال محمد أمين في تصريحه لجريدة “القضية بريس” إن هذا المشكل، دفع الساكنة إلى الخروج في احتجاجات عطش سنة 2017، مضيفا أن هذه الأخيرة آتت أكلها عندما تدخل جلالة الملك محمد السادس، وأعفى بعض المسؤولين عن الإقليم.
وتابع المتحدث نفسه، أن الإقليم شهد إصلاحات في مجاله الحضري بعد التدخل الملكي، حيث تم تزويده بالماء الحلو، إلا أن هذه الإصلاحات لم تشمل المجال القروي، الذي تعاني فيه مجموعة من الدواوير والجماعات، على غرار جماعة الرحى والبليدة ومحاميد الغزلان، من ضعف وتهالك الفرشة المائية، مشيرا إلى أن المجال الحضري بدوره، صار يشتكي مجددا من ملوحة المياه وقلتها، بعد حوالي ست سنوات من الإصلاحات.
تحديات مستقبلية
ما يعيشه إقليم زاكورة من استنزاف للفرشة المائية منذ سنوات، جعل منه عرضة للموت في أي لحظة، بالرغم من أنه بدأ يحتضر بشكل بطيء منذ نشاط زرعات لا تتوافق مع طبيعة المنطقة.
وأكد رئيس جمعية أصدقاء البيئة، أنه يجب إعتماد مجموعة من الإجراءات والخطوات، من أجل تجاوز هذا الوضع، مثل الحد من الزراعات المستنزفة، وتعويضها برزاعات طبية وعطرية، وذلك في إطار نموذج تنموي خاص بهذه الواحات، ضمن الاستراتيجيات والمواثيق والقوانين الوطنية، لمقاومة التغيرات المناخية والمهتمة بالشأنين المائي والبيئي، وذلك في “تدابير استعجالية” من طرف المسؤولين عن الإقليم.
كما شدد محمد أمين الأبيض على أن واحات إقليم زاكورة مقبلة على مرحلة خطر، بسبب ضعف التزويد بمياه الري، مبرزا أن الوزارة الوصية لم تتدخل في هذه المشكلة بقوله “الدولة خلات الناس تيموتو الموت البطيء”.
وطالب المتحدث، من أجهزة الدولة الموكول لها تدبير القطاع المائي بالإقليم، بالتدخل الجدي عبر مد الواحات، بصبيب مياه دائم الجريان من سد أحمد منصور الذهبي، بالإضافة إلى تشبيب الواحات، من خلال مساعدة الفلاحين ومدهم بأغراس عالية الجودة عند موت نخلهم.
سد أكدز منشأة مائية تروم تخفيف المشكل
وفي ظل استمرار موجة الجفاف بالجنوب الشرقي على الخصوص، والمغرب عموما، تم تشييد سد أكدز، وذلك للتخفيف من أثار الجفاف الذي ضرب المنطقة منذ عدة سنوات، الأمر الذي استبشرت به الساكنة خيرا.
إذ يتوفر الإقليم على استراتيجية لتقوية وتأمين تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب وذلك بإنجاز مجموعة من المشاريع من أهمها الشطر الأول من مشروع التزود بالمياه السطحية، انطلاقا من سد أكدز بمبلغ قدره 730 مليون درهم، والذي شرع في استغلال مياهه بتزويد جماعة أكدز كمرحلة أولى منذ 15 يونيو 2023، في انتظار تقوية وتأمين جماعتي زاكورة وتمكروت من هذه المادة الحيوية، خلال الأسابيع القليلة القادمة، مما سيرفع عدد الساكنة المستفيدة الى 72 ألف نسمة أي ما يعادل 25% من ساكنة الإقليم.
وفي إطار تعميم وتقوية وتامين تزويد كل الجماعات الترابية بالإقليم، تم إعطاء الإنطلاقة لعدة مشاريع متعلقة بهذا الشأن، من بينها: تقوية وتامين تزويد جماعات ترناتة وبني زولي والروحا وبوزروال وتنزولين بالماء الصالح للشرب، بتكلفة تقدر ب 82,6 مليون درهم ممول في إطار اتفاقية الإطار لتزويد المراكز والدواوير بالماء الصالح للشرب 2022-2024، حيث سيستفيد من هذا المشروع 52 ألف نسمة، وتعتبر الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع لجهة درعة تافيلالت هي المسؤولة للمشروع.
وإلى جانب ذلك، تستمر اشغال مشاريع تقوية وتأمين التزود بالماء الصالح للشرب انطلاقا من سد أكدز، لفائدة مراكز جماعات ايت ولال والنقوب وتازارين بتكلفة مالية تقدر ب 150 مليون درهم، في إطار اتفاقية الإطار لتزويد المراكز والدواوير بالماء الصالح للشرب 2022-2024. حيث سيستفيد من هدا المشروع 20 ألف نسمة، ويعتبر المكتب الوطني للماء الصالح للشرب قطاع الماء حاملا للمشروع.
وبإنجاز هاذين المشروعين سترتفع نسبة الاستفادة من هذه المادة الحيوية في أفق 2024/2025 إلى 50% من ساكنة إقليم زاكورة، وهذا في انتظار تعميم وتأمين الاستفادة من الماء الصالح للشرب انطلاقا من هذه المنشاة المائية، على باقي ساكنة الإقليم خلال السنوات القليلة القادمة.