في شوارع المدن المغربية، في الأزقة والأسواق، وحتى على الأرصفة، تنحني نساء كثيرات تحت وطأة الحاجة، يحملن على أكتافهن همّ العيش ويقمن بأعمال لا تخضع لأي حماية قانونية أو اجتماعية. إنهن نساء القطاع غير المهيكل، وجوه منسية في خريطة الاقتصاد، يعملن بصمت، ويقدمن الكثير دون أن يُمنح لهن القليل. فهل هذا العمل شكل من أشكال الاستغلال الممنهج؟ أم هو إنقاذ مؤقت من الغرق في مستنقع الفقر؟
جسد الاقتصاد الخفي:
القطاع غير المهيكل لا يعني فقط غياب الوثائق والفواتير، بل يعني أيضًا غياب الكرامة والحماية. عشرات الآلاف من النساء يعملن كبائعات متجولات، منظفات في البيوت، طاهيات في المقاهي، عاملات في الورش التقليدية أو معامل غير مرخصة. أغلبهن لا يملكن تغطية صحية، لا ضمان اجتماعي، ولا أفق واضح.
الوجه المزدوج للعمل: إنقاذ ظرفي واستغلال دائم
للكثير من النساء، دخول هذا القطاع لم يكن اختيارًا حرًّا، بل ضرورة فرضتها الحياة، والطلاق، والتخلي، واليُتم، وحتى التعليم المحدود. هذا العمل قد يكون في لحظة معينة خشبة نجاة، لكنه يتحول بسرعة إلى فخ استغلال، حيث يعملن ساعات طويلة بأجور زهيدة، في ظروف خطرة نفسيًا وجسديًا، ويخضعن لتحكم أرباب العمل أو زبائن لا يعترفون سوى بالربح.
حين تصبح الكرامة ثمن لقمة العيش:
لا صوت يُسمع لهؤلاء النساء، فهن خارج التغطية الإعلامية، خارج النقاشات السياسية، وخارج خطط الدولة في التمكين الاقتصادي. الدولة تسن قوانين لحماية الشغيلة، لكنها لا تنزل إلى حيث تعمل هؤلاء النساء. فأين الدولة الاجتماعية التي نُبشّر بها إن لم تشمل الأكثر هشاشة؟
التحول من الظل إلى الضوء:
الحل لا يكون فقط في تنظيم هذا القطاع، بل في إعادة الاعتبار لهؤلاء النساء. يجب إدماجهن في خطط الحماية الاجتماعية، خلق فرص لتكوينهن، تمويل مشاريعهن الصغرى، وإصدار تشريعات تلزم أصحاب الورش والمشغلين بضمان حقوقهن. ولا بد من التوعية المجتمعية بأن هذه الأعمال ليست “أعمالاً دُونية” بل أعمال نبيلة تستحق التقدير.
العمل النسائي في القطاع غير المهيكل هو مرآة لمجتمع لم ينصف نساءه بعد. هو سؤال مفتوح بين الاستغلال والإنقاذ، بين الغياب والتهميش، بين الظلم والحاجة. ومادامت المرأة المغربية تُجبر على العمل في ظروف غير إنسانية، فحديثنا عن التقدم والمساواة سيبقى مجرد وهم.








































