الفتحاوي: المغرب يدخل مرحلة التحيين الاستراتيجي لمبادرة الحكم الذاتي لتوسيع الشرعية الوطنية وتعزيز الموقف التفاوضي

القضية بريس15 نوفمبر 2025آخر تحديث : منذ 3 أسابيع
القضية بريس
حوارات
الفتحاوي: المغرب يدخل مرحلة التحيين الاستراتيجي لمبادرة الحكم الذاتي لتوسيع الشرعية الوطنية وتعزيز الموقف التفاوضي
حاورها- إسماعيل المالكي

في لحظة سياسية فارقة، أعاد الاجتماع الذي احتضنه الديوان الملكي يوم 10 نونبر 2025 تشكيل المشهد الوطني المتعلق بقضية الصحراء المغربية. فالدعوة الملكية لإشراك الأحزاب في تحيين مبادرة الحكم الذاتي لم تكن خطوة عابرة، بل إعلاناً عن دخول البلاد مرحلة جديدة من التشاركية الوطنية في صياغة القرار الاستراتيجي، وفتح الباب أمام مقاربة دبلوماسية عريضة تتكامل فيها الدولة مع الأحزاب والفاعلين السياسيين.

 

وجاء الاجتماع عقب الخطاب الملكي ليوم 31 أكتوبر وصدور قرار مجلس الأمن رقم 2797، وهي لحظة أعادت المبادرة المغربية إلى قلب النقاش الدولي، باعتبارها الحل الواقعي والجاد وذي المصداقية لإنهاء النزاع المفتعل.

 

ولفهم خلفيات هذه المرحلة وتحولاتها الدقيقة، كان لجريدة القضية بريس الإلكترونية، هذا الحوار مع نعيمة الفتحاوي النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب.

 

 

س: كيف تفسرون دعوة جلالة الملك لإشراك الأحزاب السياسية في تحيين مبادرة الحكم الذاتي؟ وهل نحن أمام تحول فعلي في أدوار الأحزاب داخل الدبلوماسية الوطنية؟

 

ج: الدعوة الملكية لإشراك الأحزاب في تحيين مبادرة الحكم الذاتي تعكس وعياً عميقاً بأن قضية الصحراء المغربية تحتاج اليوم إلى نفس جديد من المشاركة الوطنية. جلالة الملك أكد في خطابه أن القضية ليست قضية الدولة وحدها، بل قضية كل المغاربة. والاجتماع الذي انعقد في الديوان الملكي جاء لتفعيل هذا التوجيه وتنزيله بشكل عملي.

 

هذه الخطوة تؤكد أن المغرب ماضٍ في توسيع الشرعية الوطنية للمبادرة، وأن الحكم الذاتي ليس مشروعاً فوقياً، بل ثمرة توافق وطني. كما يشكل الأمر رسالة قوية للمنتظم الدولي بأن المغرب يعبّر بصوت واحد، وأن مقترحه يستند إلى تعددية سياسية حقيقية، وليس إلى قرار حكومي أو إداري محدود.

 

من جهة أخرى، تشكل الدعوة إعادة تعريف لدور الأحزاب. فالأحزاب لم يعد مطلوباً منها فقط التشريع أو الرقابة أو تدبير الجماعات الترابية. اليوم، تمت دعوتها للانخراط في الدبلوماسية الموازية، ولعب دور أساسي في الدفاع عن الموقف المغربي في الخارج، عبر علاقاتها مع الأحزاب الأوروبية والإفريقية والأمريكية. وهذا تحول مهم، لأن الدبلوماسية اليوم لم تعد حكراً على الحكومات، بل أصبحت شبكة متعددة الفواعل، من أحزاب، وبرلمانات، ومجتمع مدني.

 

هذه الخطوة ليست جديدة تماماً، فالمؤسسة الملكية دأبت على إشراك الأحزاب في القضايا الكبرى، مثل الإصلاح الدستوري، ومدونة الأسرة، والقوانين الانتخابية، والسياسات الثقافية. لكن الجديد هو أن حجم المسؤولية اليوم أكبر، والسياق الدولي أكثر حساسية، مما يضع الأحزاب أمام دور دبلوماسي مباشر في ملف الصحراء، وهو ملف يعتبر عنوان السيادة الوطنية.

 

س: ما هي القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها الأحزاب في صياغة النسخة المحينة من مبادرة الحكم الذاتي؟

 

ج: الأحزاب يمكن أن تقدم العديد من الإضافات الجوهرية التي تمنح المبادرة نفساً جديداً وقوة تفاوضية أكبر.

 

أولاً، على المستوى الاجتماعي والثقافي، تستطيع الأحزاب إدماج عناصر تتعلق بالتنمية المحلية، بتقوية الهوية، وبالعدالة الاجتماعية. هذا البعد يجعل الحكم الذاتي أكثر قرباً من المواطنين، وأكثر قدرة على الاستجابة لمطالب الجيل الجديد.

 

ثانياً، يمكن للأحزاب أن تلعب دوراً مهماً في تكثيف الدبلوماسية الموازية. فالعلاقات الحزبية في أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تشكل جسوراً سياسية يمكن استثمارها للتعريف بالمبادرة المغربية وتقوية حضورها داخل النقاش الدولي.

 

ثالثاً، تعددية الأحزاب تمنح المغرب فرصة إنتاج خطابات متعددة. فهناك خطاب حقوقي، وآخر تنموي، وثالث يرتبط بالأمن الإقليمي، ورابع بالهوية الثقافية. هذا التنوع ضروري، لأن العالم لا يستقبل خطاباً واحداً، بل يحتاج إلى لغات متعددة، وكل دولة قوية هي التي تقدم نفسها بأكثر من زاوية.

 

رابعاً، تستطيع الأحزاب إدراج ضمانات مؤسساتية تتعلق بالحكامة، وبالرقابة الديمقراطية، وبحماية الحقوق والحريات، مما ينسجم مع المرجعيات الدولية ويعزز مصداقية المبادرة.

 

خامساً، تستطيع الأحزاب طرح برامج قطاعية واقعية في التعليم والصحة والبنيات التحتية والطاقات المتجددة، تجعل الحكم الذاتي إطاراً تنموياً متكاملاً، وليس مجرد مشروع سياسي.

 

إن القيمة المضافة الحقيقية للأحزاب هي أنها تمنح المبادرة عمقاً اجتماعياً، وقوة سياسية، وامتداداً دبلوماسياً، وتجعلها أكثر قدرة على الإقناع.

 

س: هل يشكل الاجتماع الملكي لحظة سياسية جديدة لتجديد الإجماع الوطني حول قضية الصحراء؟

 

ج: نعم، الاجتماع يمثل لحظة سياسية جديدة ومهمة، لكنه لا ينشئ الإجماع، لأن الإجماع الوطني حول الصحراء قائم منذ عقود. ما فعله الاجتماع هو تجديد هذا الإجماع وإعطاؤه بعداً مؤسسياً جديداً.

 

فالاجتماع أعطى صورة واضحة للعالم: موقف المغرب ليس موقف جهاز أو حكومة، بل موقف دولة بكل مكوناتها. وهذا يرفع من قوة المبادرة المغربية ويعزز حضورها في المحافل الدولية.

 

ثم إن الاجتماع فتح الباب لتجديد الخطاب السياسي الوطني حول الصحراء، عبر إدخال الأحزاب في صياغة المبادرة. وهذا يعطي المغرب قدرة على إنتاج خطاب جديد ينسجم مع العصر، ويراعي التحولات التي يشهدها الاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي، والمجتمع الدولي عموماً.

 

الإجماع الوطني اليوم لم يعد إجماعاً في مستوى الشعارات، بل أصبح إجماعاً تشاركياً مبنياً على صياغة مشتركة للقرار الوطني.

 

س: في ضوء قرار مجلس الأمن رقم 2797، هل يشكل تحيين مبادرة الحكم الذاتي تمهيداً لمرحلة تفاوضية جديدة؟

 

ج: قرار مجلس الأمن رقم 2797 أعاد التأكيد بشكل واضح على أن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الواقعي والجاد وذي المصداقية. كما دعا الأطراف إلى الانخراط في مسار سياسي جديد تحت إشراف الأمم المتحدة. وهذا يعني أن المنتظم الدولي يستعد لمرحلة تفاوضية جديدة.

 

تحيين المبادرة يأتي استجابة لهذا السياق. المغرب يريد أن يدخل أي مسار تفاوضي مستقبلي بمبادرة مطوّرة، تعكس التنمية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية، وتستجيب لقضايا الحكامة، والحقوق، والاندماج الاقتصادي، وتقدم نموذجاً للحكم الذاتي المتقدم في إطار السيادة المغربية الكاملة.

 

التحيين لا يعني تغيير جوهر المبادرة، بل تعزيز قوتها وإغناء تفاصيلها بما يجعلها أكثر قدرة على الإقناع، وأكثر انسجاماً مع المعايير الدولية الراهنة.

 

وبالتالي، نعم. تحيين المبادرة هو تمهيد ذكي ومدروس لأي مرحلة تفاوضية قد تطلقها الأمم المتحدة، ولكن على أرضية ثابتة تقوم على وحدة التراب الوطني وسيادة المملكة المغربية.

الاخبار العاجلة