في عالم يموج بالصور السطحية والتقليدية، يبرز بدر التديلي كفنان يختار أن يتحاور مع العالم عبر الرموز والهندسة الروحية، جامعًا بين الفكر العميق والتجربة الجمالية. أعماله ليست مجرد لوحات تُعرض في صالات الفن، بل هي رحلة داخل الذات الإنسانية، وتأمل دائم في جوهر الإنسان والعالم من حوله. التقينا الفنان التديلي لنتعرف على رؤيته للفن والرمز، وعلى المسار الذي رسمه لنفسه في فضاء الفن التشكيلي.
س: نشكركم، الفنان بدر التديلي، أولًا على تلبية دعوتنا. ونود أن نقترب من بعض المحطات البارزة في مسيرتكم الفنية: كيف اخترتم الفن التشكيلي لغة رمزية؟ ومن هم الفنانون الذين رافقوا بداياتكم؟
ج: لم يكن الفن بالنسبة لي بوابة إلى الشهرة أو وسيلة للزينة، بل كان منذ اللحظة الأولى نمطًا للوجود. أشعر أن الأشكال والرموز تختارني قبل أن أختارها. ومع مرور الزمن، أدركت أن الرسم هو الوسيلة الأصدق للتعبير عمّا يعجز اللسان عن قوله. وجدت في أعمال بول كلي وكاندينسكي رؤى تحفّزني على تحويل الهندسة إلى لغة روحية. كما ألهمتني أعمال شكيب مورسلي لأدرك أن الهوية يمكن أن تُجسّد في شكل مجرد دون أن تفقد جوهرها.

س: من هذا المنطلق، كيف تُعرّفون الفن؟ وما الدور الذي ترونه له في الحياة؟
ج: الفن، في نظري، ليس تعريفًا جامدًا أو قالبًا جاهزًا، بل هو حالة من الكشف والتجلّي. إنه تلك اللحظة التي نلامس فيها الحقيقة دون أن نبلغها تمامًا. يمنح الفن الإنسان نافذة لرؤية ذاته من الداخل، بعيدًا عن صخب الحياة اليومية. إنه تأمل دائم، يجعل الحياة أكثر احتمالًا، ويضفي عليها مسحة من الدهشة والعمق في آنٍ واحد.
س: لماذا اخترتم الاشتغال بالرمز تحديدًا؟ وما التحديات التي تواجه هذا المشروع الرمزي؟
ج: لأن الرمز يفتح أفقًا من المعاني لا تتيحه الصورة المباشرة. إنه يحتمل الصمت، ويستدعي التأويل، ويخلق مساحة حرة بيني وبين المتلقي. التحدي يكمن في أن هذا النوع من التعبير يتطلب صبرًا واستعدادًا للتأمل، من الفنان والجمهور على حدّ سواء. ومع ذلك، أفضّل الصمت العميق على ضجيج لا يحمل معنى.
س: أنجزتم مئات اللوحات بانفتاح ثقافي واضح ومتنوع. ما الرابط الذي يجمع هذا التنوع الرمزي؟ وكيف تماسكتم بالإنسان في صميم تجربتكم؟
ج: كل ثقافة ألهمتني كانت مدخلًا لسؤال جوهري واحد: من هو الإنسان؟ الرابط الذي يجمع بين هذه اللوحات هو السعي الدائم نحو جوهر الإنسان، بعيدًا عن القوالب النمطية. قد تتبدّل الرموز، لكن المعنى العميق يبقى ثابتًا: محاولة القبض على تلك الشرارة التي توحّدنا رغم اختلاف اللغة والعرق والزمن.
س: ماذا تقولون لمن يتحدث عن “موت الفن”؟ وهل ترَون في أعمالكم ردًّا على هذا الطرح؟
ج: من يتحدث عن موت الفن غالبًا ما يقصد السوق لا التجربة الجمالية. الفن لا يموت، بل يتبدّل ويتحوّل. قد يغيب عن الأماكن التقليدية، لكنه حاضر حيثما وُجد إنسان يبحث عن المعنى. بالنسبة لي، كل عمل فني هو فعل مقاومة في وجه الفراغ والعدمية.
س: أخيرًا، كيف تفسّرون إدماج أعمالكم في نصوص أدبية، مثل كتابات لحسن وحي وPierre Pascual؟
ج: حين تتحوّل لوحاتي إلى جزء من عمل أدبي، أشعر أن اللوحة وجدت حياة ثانية. لم يقتصر لحسن وحي وPierre Pascual على اقتباس صورة، بل دمجا اللوحة في نسيج الكتابة، وهذا يمنحني يقينًا بأن الرمز لا ينتهي عند حدود الإطار، بل يمتد إلى اللغة والفكر. أؤمن أن هذا الحوار بين الفنون يُثري التجربة، وقد يفضي مستقبلًا إلى مشروع مشترك أكثر تكاملًا.












































