في عالمٍ تتقاطع فيه الاحتياجات الإنسانية بالمصالح السياسية، تظهر العلاقة بين المساعدة الاجتماعية والنخب السياسية كمرآةٍ تعكس خللًا بنيويًا في فهم الدولة لدورها الحقيقي.
المساعدة الاجتماعية، في جوهرها، ليست منّة ولا صدقة. هي حقّ إنساني، تعبير عن تضامن الدولة مع مواطنيها، خاصة الفئات المهمّشة والمقصيّة. هي الجسر الذي يربط بين مفهوم العدالة الاجتماعية والعيش الكريم. غير أنها، في الواقع المُعاش، تُختزل غالبًا إلى أداة انتخابية تُلوَّن حسب مزاج النخبة الحاكمة.
فالنخب السياسية، التي من المفترض أن تكون صوت الشعب ومرآة آلامه، تحوّلت في كثير من الأحيان إلى طبقة منفصلة، لا ترى في المساعدة الاجتماعية سوى ورقة ضغط، أو وسيلة لضبط الإيقاع الشعبي. تُوزّع الإعانات بانتقائية، وتُوظَّف البرامج الاجتماعية ضمن استراتيجية “شراء الولاء”، لا خدمة الإنسان.
في بلدٍ تعاني فيه الأسر من غلاء المعيشة، البطالة، الهشاشة، يصبح السؤال مشروعًا:
هل تُوظّف المساعدة الاجتماعية كحقّ أم كرشوة انتخابية؟
هنا تكمن الفجوة الخطيرة: فبدل أن تُبنى السياسات الاجتماعية على معايير موضوعية وعادلة، تتحكم فيها الحسابات السياسية، والولاءات الحزبية، والوعود التي لا تُنفّذ بعد موسم الخطابات. فتجد المواطن البسيط رهين الانتظار، بينما النخبة تصوغ مستقبلًا لا يشبهه، ولا يخصه.
بل إنّ الأدهى من ذلك، أن النخب السياسية كثيرًا ما تتحدث باسم الفقراء دون أن تعيش واقعهم، تتّخذ قرارات تمسّ أرواحهم دون أن تسمع أنينهم، وتتباهى ببرامج الدعم وهي لا تعرف طعم الحاجة ولا وجع المسكنة.
كيف نثق في نخبة لم تنزل إلى الشارع لتسمع، ولم تجلس إلى الأرض لتفهم؟
ما نحتاجه اليوم ليس فقط إصلاحًا في الآليات، بل ثورة في القيم. نريد سياسة اجتماعية تنبع من الإحساس الحقيقي بالمسؤولية، لا من حسابات الربح والخسارة. نريد أن تتحول المساعدة الاجتماعية إلى واجب وطني لا إلى صدقة من الأغنياء أو تفضّل من السلطويين.
فالكرامة لا تُشترى، ولا تُؤجَّل، ولا تُستبدَل بوعود.








































