حين يتحول الخطاب الملكي إلى مشروع إقليمي.. المغرب يربح معركة الشرعية الهادئة

القضية بريس1 أغسطس 2025آخر تحديث : منذ 4 أشهر
القضية بريس
سياسة
حين يتحول الخطاب الملكي إلى مشروع إقليمي.. المغرب يربح معركة الشرعية الهادئة
إسماعيل المالكي

في سياق إقليمي يتسم بالتوترات وتضارب المصالح، يبرز المغرب كقوة هادئة ومسؤولة، اختارت على الدوام خطاب الحكمة والعقلانية، بعيداً عن الانفعال أو الانغلاق، إيماناً منه بأن الاستقرار لا يُبنى إلا على أسس التعاون والتفاهم، لا على منطق القطيعة والمواجهات المفتعلة.

 

وقد أكد جلالة الملك محمد السادس هذا التوجه الاستراتيجي في خطابه السامي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على عرش أسلافه المنعمين، حيث أعاد التذكير بموقف المغرب الثابت تجاه الجزائر، القائم على الرغبة الصادقة في طيّ صفحة الخلافات، ومد جسور التواصل لما فيه خير الشعبين والمنطقة المغاربية برمتها.

 

“اليد الممدودة”.. رؤية ملكية ومسؤولية إقليمية

في أحد أبرز مقاطع الخطاب، قال جلالة الملك: “حرصتُ دوماً على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول، حوارٍ أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين.”

 

وجاءت هذه العبارة بمثابة تجديد لعرض سياسي واضح ومباشر، يعكس ثقة المغرب في شرعية مواقفه وعدالة قضاياه، خاصة ما يتعلق بوحدته الترابية، ويُبرز في الوقت ذاته مسؤولية تاريخية يتحمّلها تجاه شعوب المنطقة، التي تتطلع إلى مستقبل مشترك مبني على التعاون والتنمية، لا على الخلاف والتناحر.

 

وأكد جلالته أن: “التزامنا الراسخ باليد الممدودة نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا سوياً على تحقيق تطلعاتها إلى الوحدة والتكامل.”

 

إنها ليست مجرد كلمات، بل خريطة طريق دبلوماسية متزنة، تُميز المغرب إقليمياً، وتعطي لخطابه السياسي أفقاً إنسانياً يُدرك تعقيد التاريخ لكنه لا يستسلم له، ويواجه التحديات برؤية تجمع بين المبادئ والبراغماتية الهادئة.

 

تحليل أكاديمي يعزز الطرح الملكي

في انسجام تام مع هذا التوجه، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور خالد الشيات، أن العلاقة بين المغرب والجزائر تمرّ بمرحلة دقيقة تتطلب تعقلاً استراتيجياً ورؤية مشتركة من الطرفين، للخروج من منطق الصراع إلى منطق البناء.

 

ويرى الشيات أن هناك بُعدين رئيسيين يجب التركيز عليهما: البُعد المجتمعي والثقافي، خاصة فئة الشباب، الذين يشكلون جسراً طبيعياً للتواصل والتقارب بين الشعبين، انطلاقاً من قيم حضارية وتاريخية مشتركة.

 

والبُعد الاستراتيجي، الذي يتطلب انخراط الدولة الجزائرية في مشروع واقعي مشترك، لمواجهة التحديات الإقليمية، مثل الأمن، ومكافحة الإرهاب، والهجرة، وتغير المناخ.

 

ويؤكد أن استقرار المغرب الكبير لن يتحقق دون تفاهم حقيقي وعقلاني بين الرباط والجزائر، يقوم على الحوار واحترام السيادة، ونبذ منطق الصراع.

 

خيار الحوار… إجماع داخلي ورسالة خارجية

يشكل التقاطع بين الرؤية الملكية والتحليل الأكاديمي دليلاً على وجود انسجام داخلي في المغرب، بين القيادة والنخبة والمجتمع، حول خيار الحوار مع الجزائر، باعتباره مسؤولية استراتيجية لا تعني التنازل، بل تعكس القوة والثقة في المستقبل.

 

في المقابل، وبينما يواصل المغرب إرسال إشارات الانفتاح، يواصل قصر المرادية نهج التصعيد الإعلامي والمواقف العدائية، وهو ما يجعلها أمام اختبار سياسي وأخلاقي حقيقي: هل ستلتقط الإشارة الملكية، أم ستواصل الرهان على العزلة؟

 

قوة الموقف المغربي في زمن الاستقطاب

لقد أثبت المغرب من جديد، عبر خطابه السياسي الواضح وتحليلات نُخبه، أنه في موقع “القوة الهادئة”، التي لا تبحث عن الانتصار بالصوت المرتفع، بل بالحجة والوضوح والثبات.

 

وفي عالم تتقلب فيه المواقف، تظل سياسة اليد الممدودة المغربية عنوانًا للثقة في الذات، وحرصًا على الاستقرار، ووفاءً للروابط التاريخية بين الشعبين.

الاخبار العاجلة