ملف الصحراء المغربية: دينامية الحل ومآزق الخطاب الجزائري

القضية بريس7 أغسطس 2025آخر تحديث : منذ 4 أشهر
القضية بريس
سياسة
ملف الصحراء المغربية: دينامية الحل ومآزق الخطاب الجزائري
وصال العجلاوي

في سياق التحولات العميقة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية على المستويين الإقليمي والدولي، تتسارع التطورات الدبلوماسية والسياسية بشكل لافت، ما يعكس تغيرًا عميقًا في موازين الفاعلية والتأثير داخل هذا النزاع طويل الأمد. وبينما تواصل الرباط ترسيخ دينامية الحل الواقعي عبر مقترح الحكم الذاتي المقدم سنة 2007، تظهر الجزائر عاجزة عن مجاراة المتغيرات، ومحصورة في خطاب متجاوز بات يفقد المصداقية.

 

زخم الاعترافات بالحكم الذاتي يعزز الطرح المغربي

منذ سنوات، تبنت المملكة المغربية مقاربة جديدة لمعالجة النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، تقوم على مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية، والذي لقي دعمًا دوليًا متزايدًا باعتباره حلًا واقعيًا وذا مصداقية. وقد شهدت الفترة الأخيرة تزايد عدد الدول الداعمة لهذا الطرح، كان أبرزها إعلان كل من وبريطانيا ومقدونيا الشمالية دعمها الصريح للمبادرة المغربية، وهو ما يشكل ضربة موجعة للدعاية الانفصالية.

 

هذا التوجه الجديد يؤكد أن المجتمع الدولي بات أكثر اقتناعًا بأن الحلول الانفصالية لم تعد قابلة للتحقيق، وأن الواقعية السياسية تقتضي دعم المبادرات التي تراعي استقرار المنطقة ووحدة الدول، بعيدًا عن حسابات الحرب الباردة أو منطق التجاذبات الإيديولوجية القديمة.

 

الأمم المتحدة: تأكيد متواصل على أولوية المبادرة المغربية

القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة أكدت مرارًا على دور المغرب البناء في دعم جهود المبعوث الشخصي للأمين العام، هانس كولر سابقًا، وستيفان دي ميستورا حاليًا. كما شددت هذه القرارات على ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي وتوافقي، وهي نفس الصيغة التي تشكل جوهر المقترح المغربي.

وفي المقابل، لم تعد الأمم المتحدة تولي أهمية تذكر للأطروحات الانفصالية، ولم تشر في قراراتها الأخيرة إلى أي دعم لآلية الاستفتاء، ما يعني أن الموقف الأممي يتجه بوضوح نحو دعم الحل المغربي كخيار واقعي قابل للتنفيذ ويحظى بتوافق دولي متنامٍ.

 

وليد كبير: النزاع يقترب من نهايته والعزلة تلاحق الجزائر

يرى الإعلامي والخبير الجزائري وليد كبير أن ملف الصحراء المغربية يقترب من نهايته، في ظل ما وصفه بـ”زخم دولي غير مسبوق” داعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي، والذي بات يحظى باعتراف متزايد من عواصم دولية مما يعكس تغيّر النظرة العالمية إلى جبهة البوليساريو التي أضحت كيانًا مسلحًا مدعومًا من الجزائر لا يحمل مقومات حركات التحرر”.

وأوضح كبير أن النظام الجزائري يعيش حالة من التناقض الدبلوماسي، إذ يرفع شعارات متصلبة في المحافل الإفريقية، بينما يعتمد لغة مرنة أمام الأوروبيين، كما ظهر في القمة الجزائرية الإيطالية التي تحدثت عن دعم مسار الأمم المتحدة، رغم رفض الجزائر للقرارات الأممية الصادرة عن مجلس الأمن. هذا التذبذب، وفق كبير، يضعف مصداقية الموقف الجزائري ويكشف حدود خطابه.

ودعا الخبير الجزائري سلطات بلاده إلى مراجعة استراتيجيتها الخارجية والانخراط الجاد في تسوية أممية عادلة، بدل التمادي في مواقف تؤدي إلى مزيد من العزلة والتهميش، معتبرًا أن الفرصة لا تزال سانحة أمام الجزائر لتصحيح المسار والانضمام إلى دينامية الحل، خدمةً لاستقرار المنطقة وتطلعات شعوبها.

 

86549803 61549317 - أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الأبعاد الإقليمية والدولية: لعبة مراكز النفوذ وتبدل التحالفات

تتسارع التحولات في العلاقات الدولية بشكل غير مسبوق، ما يدفع الفاعلين الإقليميين إلى إعادة تموقعهم في ضوء التحولات الجيوسياسية العالمية. وفي هذا السياق، لم يعد مقبولاً من دولة مثل الجزائر أن تظل حبيسة سرديات الحرب الباردة، أو أن تُبقي استراتيجيتها الدبلوماسية رهينة دعم جبهة انفصالية لم تحقق أي مكاسب ملموسة على الأرض.

 

وقد أشار الدكتور الموساوي العجلاوي في تصريحه إلى أن “الجزائر اليوم تجد نفسها في موقع دفاعي هش، غير قادر على إنتاج مبادرات أو خطط بديلة”، مؤكدًا أن “تراكم الإخفاقات جعل من الدبلوماسية الجزائرية رهينة للملف الصحراوي بدل أن يكون عنصرًا في بناء استقرار إقليمي مشترك”. وأوضح أن “الخطاب الدبلوماسي الجزائري لم يُواكب التحولات التي تشهدها المؤسسات الدولية، حيث أصبح يُنظر إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي كحل عملي يتماشى مع توجهات الأمم المتحدة والفاعلين الدوليين”.

ويبرز هذا القصور أيضًا في طريقة تعاطي الجزائر مع المحافل الدولية، حيث تحولت المشاركة الجزائرية في بعض التكتلات القارية والعربية إلى مجرد حضور شكلي، بلا قدرة على التأثير أو تغيير المعادلات القائمة. وهذا ما ساهم في تهميش صوتها، مقابل صعود لافت للمغرب الذي يتبنى دبلوماسية فعالة متعددة المسارات، تشمل التعاون جنوب-جنوب، الاستثمار في إفريقيا، والانخراط الإيجابي في القضايا المناخية والأمنية.

algerie 1 - أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الأبعاد الداخلية وتأثيرها على السياسة الخارجية الجزائرية

لا يمكن فهم الأزمة الدبلوماسية للجزائر بمعزل عن أزمتها الداخلية، التي تتسم بازدياد الاحتقان الاجتماعي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية. في مواجهة هذه التحديات، اختارت السلطة الجزائرية سياسة إلهاء عبر خلق “عدو خارجي”، وهو المغرب، لتوجيه الأنظار عن القضايا الحقيقية التي يعاني منها المجتمع.

هذا الخطاب المغلق والمتشنج لا يعكس فقط استراتيجية دفاعية عن النظام الحاكم، بل يكشف عمق الأزمة السياسية في الجزائر التي تعاني من ضعف القدرة على الإصلاح والتكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية. في المقابل، يظهر المغرب نهجًا مختلفًا مبنيًا على الانفتاح، الحوار، والشراكات الإقليمية والدولية التي تستند إلى المصالح المشتركة.

 

الدور المغربي في تعزيز الاستقرار الإقليمي

من جهة أخرى، استطاع المغرب أن يتموضع كمصدر للاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، وهي منطقة تعرف هشاشة أمنية غير مسبوقة بفعل الانقلابات، والتطرف العنيف، وتراجع دور الفاعلين الدوليين. وقد نجح المغرب في بناء شراكات أمنية وتنموية مع دول إفريقية عديدة، مستفيدًا من ثقة متزايدة بدوره كوسيط محايد وفاعل.

وتُعد مبادرة المغرب بتنظيم قمة دول الساحل والصحراء، وتقديم مساعدات إنسانية ولوجستيكية للعديد من الدول الإفريقية، دليلاً على أن الرباط لا تكتفي بالخطاب، بل تبادر بالفعل وتكرس صورتها كقوة إقليمية مسؤولة.

 

نحو نموذج مغربي للتكامل الإقليمي

المسار الذي اختاره المغرب لا يقوم فقط على الحلول السياسية، بل يدمج البعد التنموي والثقافي والاقتصادي. ففي الوقت الذي تروّج فيه أطراف للنزاع والانقسام، يعمل المغرب على إطلاق مشاريع كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي، وممر الغاز النيجيري-المغربي، التي تُكرس التكامل الإقليمي وتفتح آفاقًا جديدة أمام القارة الإفريقية.

 

هذه المشاريع الكبرى لا تعكس فقط رؤية المغرب، بل أيضًا قدرته على تحويل موقعه الجغرافي إلى منصة ربط بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. وهو ما يضعه في قلب التحولات الجيوسياسية العالمية، ويمنحه أوراق قوة إضافية في صراعات النفوذ المستجدة.

الاخبار العاجلة