في لحظةٍ فارقة من الزمن المغربي، حيث تتقاطع التحولات الرقمية مع الأزمات الاجتماعية، خرج شباب الجيل Z عن صمتهم. لم تعد صيحاتهم مقتصرة على منصات “تيك توك” أو “إنستغرام”، بل تحولت إلى هتافات تملأ الساحات، وصرخات ترددها شوارع المدن من الشمال إلى الجنوب: “الكرامة أولا!” و”ولد الشعب ماشي إرهابي!”.
ما يحدث اليوم ليس مجرد احتجاجات عابرة، بل هو تحوّل عميق في الطريقة التي يفهم بها الجيل الصاعد قضاياه، ويناضل من أجل مستقبله. إنها صحوة سياسية اجتماعية رقمية، عنوانها الأبرز: استعادة المعنى في زمن اللايقين!.
الجيل Z… من العالم الافتراضي إلى قلب الشارع
الجيل Z، أبناء الثورة الرقمية، المولودون بين منتصف التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، اعتادوا على التعبير عن آرائهم بحرية على وسائل التواصل الاجتماعي، واستهلاك الأخبار والآراء بشكل لحظي. لكنهم اليوم قرروا الانتقال من العالم الافتراضي إلى الميدان، من المتابعة إلى الفعل.
بعيدًا عن الحزبيات التقليدية، ومن خارج الأطر التنظيمية الكلاسيكية، خرج هؤلاء الشباب ليقولوا: “نحن هنا. نطالب بالكرامة، بالعدالة، وبالحق في وطن لا يخذلنا.”
الوسوم مثل #الشعب_يريد و #الكرامة_أولا لم تكن مجرد شعارات رقمية، بل أدوات لتوحيد الصوت، وخلق وعي جمعي جديد يتجاوز الانقسامات والهويات الضيقة.
المطالب: من الصحة والتعليم إلى العيش الكريم
ما يطالب به الجيل Z ليس انقلابًا على المؤسسات أو صراعًا مع الدولة. بل العكس: هو تمسك بما يضمنه لهم الدستور المغربي نفسه. فالفصل 25 من دستور 2011 يقر بحرية التعبير والفصل 29 منه يضمن الحق في التجمهر والتظاهر السلمي.
لكن الواقع، كما يرونه، لا يعكس هذه المبادئ. فالتعليم العمومي في حالة تراجع، الصحة تنهار، والبطالة تحاصر الشباب، خصوصًا في المناطق المهمشة. والهوة بين الخطاب السياسي والواقع تزداد اتساعًا.
من مدرجات الملاعب إلى ساحات الاحتجاج
أحد المظاهر الأكثر إثارة في هذه الاحتجاجات هو الحضور القوي لثقافة “الإلترات. “تلك الأغاني والهتافات التي انطلقت من مدرجات كرة القدم، تحولت إلى أغانٍ ثورية تعكس وجع الشارع:
“ماشي فتيساع بغينا التغيير، بغينا تعليم، صحة، وتشغيل”…
هذه العبارات، التي لا تخضع لرقابة الأحزاب ولا لمنطق الخطابة السياسية، تحمل شحنة عاطفية وسياسية هائلة، وتعيد إلى الواجهة سؤال: من يمثل هذا الجيل؟ من يتحدث باسمه؟ وهل تملك المؤسسات الوسيطة بعد الآن شرعية التحدث نيابة عنه؟
أزمة تمثيلية… وأزمة ثقة
هنا تكمن أكبر التحديات. فهؤلاء الشباب لا يثقون في الأحزاب، ولا في النقابات، ولا في الهيئات التقليدية التي عجزت عن ترجمة تطلعاتهم. يشعرون أنهم مهمشون.. يرفضون الخطاب الأبوي.. ويطالبون بالاستماع لا بالإملاء…
وفي المقابل، تواجه الدولة معضلة: كيف تتعامل مع حركات غير مؤطرة تقليديًا؟ كيف ترد على مطالب مشروعة دون الوقوع في فخ القمع أو الاحتواء الشكلي؟
بين الخوف من الانزلاق… وأمل الإصغاء
صحيح أن الاحتجاجات حتى الآن سلمية ومنظمة، لكن هناك قلق مشروع من احتمال الانزلاق في حال قوبلت بالتجاهل أو الردود الأمنية. وليس سرًا أن المغرب، بعد أكثر من عقد على دستور 2011، لم ينجح بعد في ترسيخ “عقد اجتماعي جديد” يُشعر الشباب بأنهم جزء فعلي من المعادلة الوطنية.
ما يطرحه الجيل Z ليس فقط مطالب مادية، بل سؤال وجودي حول معنى المواطنة، حول الحق في الحلم بوطن لا يُعاقب فيه طموحك بالفقر، ولا يُحاصر فيه رأيك بالتهميش.
نحو أفق جديد… أم طريق مسدود؟
الكرة الآن في ملعب الدولة. فإما أن تُقرأ هذه الرسائل بجدية، ويتم فتح حوار حقيقي، تشاركي، يراعي لغة ومطالب هذا الجيل الرقمي الواعي، أو يُكرر نفس السيناريوهات القديمة التي لم تُنتج سوى مزيد من الإحباط والاحتقان.
الجيل Z لا يبحث عن وظيفة فقط، بل عن كرامة. لا يطلب صدقات، بل عدالة اجتماعية. لا يهاجر حبًا في البحر، بل هربًا من اليأس..
من الصمت إلى الفعل
لقد قرر الجيل Z أن الصمت لم يعد خيارًا. وأن التغيير لم يعد رفاهًا، بل ضرورة. وربما، كما كتب أحدهم على جدران الاحتجاج: “إذا كنا لا نملك إلا الصوت… فلنصرخ حتى يُسمعنا الجميع.”








































