في نهاية نونبر المقبل، ستتحول مدينة مراكش إلى مركز دولي للأمن والتفكير الاستراتيجي، حين تستضيف الدورة الثالثة والتسعين للجمعية العامة للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الإنتربول”، ما بين 24 و27 من الشهر نفسه، بمشاركة ممثلين عن 196 دولة عضو.
حدث لا يُقاس فقط بحجمه التنظيمي، بل بما يحمله من رمزية سياسية وأمنية عميقة، تعكس موقع المغرب المتصاعد في خارطة الأمن الدولي، وقدرته على بناء جسور التعاون عبر القارات في زمن تتقاطع فيه التهديدات أكثر من أي وقت مضى.
اختيار مراكش، المدينة التي تجمع بين التاريخ والانفتاح، ليس قرارًا تقنيًا فحسب، بل هو إشارة واضحة إلى الثقة الدولية في المقاربة المغربية للأمن، القائمة على الاستباقية والتنسيق بين المؤسسات الوطنية والانفتاح على الشركاء الدوليين. فمنذ سنوات، تمكن المغرب من ترسيخ صورته كفاعل مسؤول في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، وكشريك موثوق في ملفات الأمن الإقليمي والإفريقي، وهو ما جعل المنظمة الدولية للشرطة الجنائية ترى في المملكة فضاءً آمنا لتنظيم أكبر ملتقياتها.
وتؤكد المعطيات الرسمية أن الجلسة الافتتاحية ستُعقد صباح 24 نونبر على الساعة العاشرة والنصف، بحضور شخصيات أمنية وازنة من مختلف الدول الأعضاء، فيما ستُختتم الأشغال يوم 27 نونبر. وكما جرت العادة في مثل هذه الاجتماعات، ستنعقد الجلسات في صيغة مغلقة، حفاظًا على سرية النقاشات والملفات المطروحة، غير أن وسائل الإعلام ستحظى بفرصة التواصل مع بعض رؤساء الوفود ومسؤولي الإنتربول في لقاءات محدودة.
من جهة أخرى، دعت المديرية العامة للأمن الوطني الصحفيين الراغبين في تغطية أشغال الجمعية إلى تقديم طلبات الاعتماد قبل 31 أكتوبر الجاري، مع ضرورة التوفر على بطاقة الصحافة المهنية، بالنظر إلى الطابع الحساس لهذا الحدث الدولي، وما يتطلبه من تدابير أمنية دقيقة على مستوى المدينة والمحيط التنظيمي.
الدورة الثالثة والتسعون لا تقتصر على الجانب التنظيمي، بل ينتظر أن تطرح ملفات ثقيلة على طاولة النقاش، من أبرزها مشروع “النشرة الفضية” (Silver Notice)، الذي يهدف إلى تتبع الأشخاص في وضعيات هشّة أو المهددين بالاختفاء، في مسعى لتعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء في مجال حماية الفئات المعرضة للخطر. كما ستشهد الدورة انتخاب رئيس جديد وأعضاء جدد للجنة التنفيذية، وهو ما يضفي بعدًا مؤسساتيًا خاصًا على اجتماع مراكش.
في العمق، يُمكن قراءة هذا الحدث كـ اعتراف دولي بالدور الذي أصبح المغرب يلعبه في الدبلوماسية الأمنية، حيث انتقل من موقع المتلقي للتجارب إلى موقع المساهم في صياغة الرؤى المشتركة، مستندًا إلى خبرته في إدارة المخاطر ومواجهة التهديدات العابرة للحدود. فالإنتربول، بما يمثله من شبكة عالمية لتبادل المعلومات والتنسيق العملياتي، يجد في المغرب نموذجًا لبلد استطاع أن يوازن بين الصرامة الأمنية واحترام الحقوق والحريات، في معادلة نادرًا ما تتحقق بهذه الدقة.
مراكش، التي تستعد لاستقبال هذا الحدث العالمي وسط إجراءات دقيقة وتحضيرات متواصلة، ستكون خلال تلك الأيام عاصمة للثقة الأمنية العالمية، وفضاءً يجمع بين التقنية والاستخبار والمعرفة، في لحظة يتقاطع فيها الأمن مع السياسة، والحدود مع المسؤولية المشتركة.







































