لم يكن تصريح ناصر بوريطة مساء الجمعة تصريحاً عادياً، بل قراءة دقيقة لمرحلة حساسة من تاريخ الدبلوماسية المغربية. فحين قال إن الملك محمد السادس أكد قدرته على الحفاظ على اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء بعد نهاية ولاية الرئيس ترامب، لم يكن يكتفي بسرد واقعة، بل كان يوثق لمسار ملكي واعٍ بكيفية إدارة المكاسب الاستراتيجية في عالم تتغير فيه موازين القوة بسرعة.
فما كشفه بوريطة يسلّط الضوء على حكمة الملك في تحويل قرارٍ سياسي أمريكي إلى التزامٍ دائمٍ يتجاوز الحسابات الحزبية داخل واشنطن. إذ أقرّ الوزير أن الملك لم يكتفِ بالحفاظ على الاعتراف الأمريكي في عهد الرئيس جو بايدن، بل جعل منه نقطة ارتكاز لبناء شبكة دعم أوسع تضم قوى دولية مؤثرة مثل إسبانيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وهو ما يعكس، حسب بوريطة، تفوق الرؤية الملكية على منطق ردّ الفعل، واعتمادها على منطق الفعل الاستباقي والمبادرة.
في جوهر هذا التصريح، يتجلى التحول في فلسفة العمل الدبلوماسي المغربي: لم تعد السياسة الخارجية مجرد ردّ على مواقف الآخرين، بل أصبحت أداة لتوجيه مواقف الدول نفسها عبر الثقة والوضوح والشرعية. فحين يحافظ المغرب على اعترافٍ من دولةٍ عظمى كأمريكا، رغم تغير إدارتها، فهذا يعني أن المغرب أصبح فاعلاً موثوقاً في النظام الدولي، لا مجرد طرفٍ في نزاع إقليمي.
تصريح بوريطة، إذن، لم يكن فقط تأكيداً على نجاحٍ دبلوماسي، بل شهادة على عمق الرؤية الملكية التي جعلت من الصحراء قضية إجماع وطني مدعومة بشرعية دولية راسخة. إنها لحظة تذكّر الجميع بأن الدبلوماسية المغربية لا تُقام على الصدف، بل على هندسة سياسية دقيقة يقودها جلالة الملك بحكمة وبعد نظر.







































