لم يكن يوم 31 أكتوبر 2025 يوماً عادياً في مسار قضية الصحراء المغربية. فكما قال جلالة الملك محمد السادس في خطابه التاريخي، “ما قبل 31 أكتوبر ليس هو ما بعده”، وهي عبارة تختزل التحول العميق الذي أحدثه قرار مجلس الأمن رقم 9727، باعتباره أول قرار أممي يُقرّ صراحة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ويكرّس المرجعية القانونية لمقترح الحكم الذاتي كحل وحيد واقعي للنزاع المفتعل.
المحلل السياسي الجزائري وليد كبير اعتبر أن هذا القرار يمثل لحظة تاريخية فارقة، لأنه جعل السيادة المغربية مرجعية أممية معترف بها، وجعل تقارير المبعوث الشخصي للأمين العام مرتبطة بمقترح الحكم الذاتي في إطار تلك السيادة، دون أي ذكر لخيار الاستفتاء، الذي انتهى فعلياً من الأدبيات الأممية بعد أن أضحى غير قابل للتطبيق. وأوضح كبير أن الإشارة في القرار إلى ضرورة إحصاء سكان مخيمات تندوف تمثل عملياً دفناً نهائياً لفكرة الاستفتاء، لأن أي مسار من هذا النوع كان يفترض أولاً تحديد الهيئة الناخبة، وهو ما لم يعد وارداً في ظل التوجه الجديد لمجلس الأمن.
في المقابل، وصف وليد كبير الخطاب الملكي بأنه “منتصر متواضع”، لأنه لم يُقدَّم بنبرة التحدي أو الانتشاء بالانتصار، بل بروح المسؤولية والاتزان. فرسالة الملك لم تكن موجهة لخصوم المغرب، بل كانت نداءً صادقاً إلى الجزائر ورئيسها عبد المجيد تبون، من أجل فتح حوار أخوي يطوي صفحة الخلاف. هذه الدعوة المتكررة من جلالته، والتي تذكّر بمقولته في خطاب العرش “لا غالب ولا مغلوب”، تعبّر عن رؤية مغربية راسخة تعتبر أن الحل الحقيقي هو بناء مستقبل مشترك لا إشعال مزيد من التوترات.
ويرى كبير أن هذا التحول الدبلوماسي العميق زلزل ركائز النظام الجزائري، لأن القرار الأممي نسف السردية التي بناها طوال نصف قرن حول “حق تقرير المصير”، كما أنه وضع الجزائر أمام استحقاق تاريخي لمراجعة موقفها. ورغم وجود ضغوط أمريكية متزايدة لإعادة السفراء واستئناف العلاقات بين البلدين، إلا أن الصدمة السياسية الناتجة عن القرار قد تؤخر تجاوب النظام الجزائري، في حين بدأ الوعي الشعبي داخل الجزائر يدرك أن قضية الصحراء كانت أداة داخلية لتثبيت الحكم وصرف الأنظار عن أزمات البلاد الحقيقية.
أما جبهة البوليساريو، فقد أصبحت في مواجهة واقع جديد يفرض عليها الاختيار بين الانخراط في المفاوضات على أساس مقترح الحكم الذاتي، أو مواجهة خطر تصنيفها كمنظمة إرهابية، خاصة بعد الإشارات التي صدرت من الكونغرس الأمريكي حول ضرورة إعادة تقييم وضعها. كما أن تمديد مهمة المينورسو لمدة سنة كاملة ليس مجرد إجراء تقني، بل خطوة مدروسة لترتيب مسار المفاوضات المقبلة، التي ينتظر أن تتوج بعرض النسخة المفصلة من مقترح الحكم الذاتي خلال الأشهر القادمة.
في ختام تصريحه، قال وليد كبير: “ما عشناه يوم الجمعة هو بداية فعلية لتحرر الجزائر من قبضة هذا النظام الذي استعمل الصراع كسجل تجاري طيلة خمسين سنة”. وهي خلاصة تختصر عمق التحول الجاري في المنطقة. فقرار مجلس الأمن لم يكن نصاً عابراً، بل إعلاناً عن ولادة مرحلة جديدة عنوانها الواقعية والانفتاح، حيث لم يعد المغرب في موقع الدفاع عن قضيته، بل أصبح يقود المسار الأممي نحو الحل النهائي.
إن ما تحقق يوم 31 أكتوبر 2025 لا يمثل فقط انتصاراً للمغرب في معركة دبلوماسية، بل إعلاناً عن نهاية مرحلة كاملة من الصراع الإيديولوجي، وبداية عهد جديد يُكتب فيه التاريخ من زاوية الشرعية والسيادة، لا من زاوية الوهم والانفصال.







































