في مساء رباطي تتقاطع فيه الألوان بالنصوص، والكلمة بالصورة، تحتفي مؤسسة المدى – دار الفنون بالرباط، بتنسيق مع جمعية “ألف” للثقافة والتنمية، يوم الأربعاء 12 نونبر 2025، بكتابٍ نقدي يعبُر تخوم الفكر والفن معاً: “النقد التشكيلي العربي والترجمة: دراسة نظرية وتطبيقية” لمؤلفه الدكتور أحمد لطف الله، الفائز بالمركز الثالث في جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي (دورة 2023).
اللقاء، الذي يشارك فيه الناقد بوجمعة أشفري بقراءة تأملية للنص، ويسيّره الباحث بنيونس عميروش، ليس مجرد جلسة توقيع، بل حوار مفتوح بين اللغة واللون، بين الفكر والترجمة، بين العين التي ترى والعقل الذي يؤوِّل.
في هذا المؤلف، يسائل الدكتور أحمد لطف الله المسافة الخفية بين النص البصري والنص اللغوي، ويقترح قراءة نقدية تُعيد للترجمة دورها الجمالي كجسر بين الثقافات، لا كوسيط لغوي فقط. فهو يرى أن الكتابة عن الفن ليست تعليقا عليه، بل امتدادٌ له، وأن الناقد، مثل الفنان، يسكن فضاء الصورة، يترجمها إلى كلمات دون أن يطفئ نورها.
ينطلق الكتاب من وعي بأن تاريخ الفن هو تاريخ نظراتنا إليه، وأن النقد التشكيلي، في جذره العميق، فعل تأويل ومساءلة للمعنى في فضاء الصورة. فحين يقرأ الناقد لوحة أو عملاً نحتياً، فإنه يكتب تاريخاً آخر للفن، تاريخاً موازياً لا يقل أصالة عن الإبداع نفسه.

ويمضي المؤلف عبر فصوله في رصد علاقة النقد التشكيلي العربي بنظيره الغربي، محللاً أثر الترجمة في تشكيل الخطاب الجمالي العربي الحديث. ويقف عند قضايا دقيقة، مثل بناء المصطلح الفني في العربية، وحدود النقل والابتكار، متأملاً كيف تحوّلت الترجمة إلى مختبر للمعنى، وإلى فضاء تلتقي فيه الفلسفة والسيميائيات وعلم الجمال والأيقونولوجيا.
ولا يكتفي لطف الله بالتحليل النظري، بل يغوص في نماذج تطبيقية، مستعرضاً ترجماتٍ لكتب شكلت منعطفات في النقد الفني، من ألكسندر إليوت إلى ليوناردو دافنتشي، مروراً بترجمة حسن المنيعي لكتاب عن الفن التشكيلي، حيث يجد الناقد العربي نفسه أمام مرايا متعددة تعكس الفكرة بألوانها وظلالها.
بهذا النفس البحثي العميق، يكشف الكتاب عن أفق جديد للنقد التشكيلي العربي، أفقٍ يعترف بالتعدد والتأويل والاختلاف، ويرى في الترجمة ممارسة فكرية تُخصب الوعي الجمالي العربي، لا مجرد وسيلة لنقل المعارف.
ويأتي هذا اللقاء بدار الفنون ليجعل من الرباط، مرة أخرى، منبراً للحوار بين الفكر والفن، وليؤكد أن النقد، حين يلامس جوهر الصورة، يتحول بدوره إلى فن موازٍ، وأن الترجمة، حين تصغي للون، تصبح لغة أخرى للجمال.








































