لحظة مفصلية في الصحراء المغربية: التحيين الذي يعيد تشكيل معادلة الحل

القضية بريس16 نوفمبر 2025آخر تحديث : منذ 3 أسابيع
القضية بريس
سياسة
لحظة مفصلية في الصحراء المغربية: التحيين الذي يعيد تشكيل معادلة الحل
إسماعيل المالكي

لم يكن الأمر الملكي الداعي إلى عقد مشاورات موسعة حول تحيين مبادرة الحكم الذاتي خطوة إجرائية أو سياسية عابرة؛ بل كان إعلاناً واضحاً عن انتقال المغرب إلى مرحلة جديدة في إدارة ملف الصحراء المغربية. فقد جاء هذا التوجيه مباشرة بعد مصادقة مجلس الأمن على القرار 2797، الذي أعاد التأكيد على أن الحل السياسي الواقعي والعملي والدائم يمر حصراً عبر المبادرة المغربية. وهو ما يمنح المملكة فرصة تاريخية لصياغة نسخة محينة تستند إلى التطور التنموي والمؤسساتي الكبير الذي عرفته الأقاليم الجنوبية.

هذا التحول يعكس رؤية ملكية تعمل على تعميق الإجماع الوطني حول القضية الأولى للمغاربة، وتحويل المبادرة من مشروع تفاوضي إلى مشروع دولة وأمة، تُسهم في صياغته القيادة الملكية والفاعلون السياسيون والشرعية الديمقراطية التي تمثلها الأحزاب. كما يأتي في سياق عالمي يعرف إعادة ترتيب لموازين القوى، ما يفرض على الرباط ملاءمة خطابها السياسي والدبلوماسي مع المتغيرات الجديدة، وتقديم مبادرة أكثر تفصيلاً وواقعية وقابلية للتنفيذ.

في هذا السياق، يتضح أن المغرب بصدد الانتقال من مرحلة الدفاع عن المبادرة إلى مرحلة البناء المشترك لنسختها المحينة، حيث يصبح القرار مرتبطاً بإرادة وطنية موسعة تشارك فيها المؤسسات المنتخبة والفاعلون السياسيون. فإشراك الأحزاب لا يقدم فقط رسائل سياسية للخارج، بل يعيد تشكيل معادلة صنع القرار داخلياً، من خلال تحويل الأحزاب من داعم خارجي إلى شريك مباشر في صياغة مبادرة تحمل الطابع السيادي للدولة.

وتقرأ النائبة نعيمة الفتحاوي هذا التحول بكونه لحظة تستعيد فيها الأحزاب موقعها الطبيعي داخل القضايا الوطنية الكبرى. بالنسبة لها، لا يتعلق التحيين بتعديل لغوي أو تجميل تقني، بل بتحويل المبادرة إلى وثيقة سيادية مكتملة الأركان، تستوعب ما تحقق من طفرة تنموية وبنيات اقتصادية وإدارية في الأقاليم الجنوبية، وتقدم للمجتمع الدولي نموذجاً حقيقياً لما يمكن أن يكون عليه الحكم الذاتي. هذا التوسع في الشرعية الديمقراطية يمنح المبادرة قوة إضافية حين تدخل دائرة التفاوض الأممي.

ومن زاوية أخرى، تقدّم الأستاذة مريم بوجعبوط تحليلاً يتجه نحو البعد الخارجي للمسألة. فهي ترى أن القرار 2797 أرسى توازناً واضحاً بين المرجعية الأممية والمبادرة المغربية، مؤكداً أن أي حل لا يمكن أن يخرج عن إطار الواقعية والعملية والدوام، وهي نفس الأسس التي تقوم عليها المبادرة. ومن ثمّ يصبح التحيين فعلاً منسجماً مع السياق الأممي لا منفصلاً عنه، بل خطوة تعزز الموقع التفاوضي للمغرب وتقدم للمجتمع الدولي صيغة مكتملة تتضمن آليات للحكامة الجهوية، وتصوراً واضحاً لمسؤوليات المؤسسات المحلية، وضمانات سياسية وقانونية تجعل النموذج قابلاً للتنفيذ وليس فكرة نظرية.

وتأتي هذه العملية في سياق دولي يعرف تحولات عميقة في موازين القوة وطبيعة التحالفات، ما يجعل تقديم مبادرة محينة تساير المتغيرات وتستثمر مكانة المغرب الإقليمية والدولية خطوة استراتيجية بامتياز. فالعالم يميل اليوم إلى الحلول الواقعية، والدول التي تقدم مشاريع قابلة للتنزيل تملك قدرة أكبر على التأثير داخل المنظمات الدولية وعلى كسب المواقف السياسية.

في المحصلة، تكشف المقاربتان الصادرتان عن الفتحاوي وبوجعبوط أن المغرب بصدد إعادة بناء المبادرة كتصور استراتيجي جديد، يدمج الشرعية الوطنية الواسعة، والانسجام الأممي المتجدد، والمعطيات التنموية الميدانية، في صيغة واحدة متماسكة. وبهذا المعنى، لا يمثل التحيين مجرد تحديث وثيقة، بل يمثل إعادة وضع أسس المرحلة المقبلة من تدبير ملف الصحراء، استعداداً لمسار تفاوضي جديد يقوم على سيادة وطنية ثابتة، وعلى إجماع داخلي راسخ، وعلى مقاربة دبلوماسية تعكس قوة الدولة المغربية في محيط إقليمي ودولي متغير.

الاخبار العاجلة