عَلَى رَصِيفٍ
غُيُومِ أَبْرِيل،
ترقصُ الْعَصَافِير
عَلَى سِيقَانِ الرَّبِيعِ
تَكْسُو وُرَيْقَات
شَجَرَة اللَّيْمُون
بَرَارِي الْمَدِينَةِ
فَيَنْهَضُ نَسِيم الْبَحْرِ
مِنْ غفوتِه…
شكلت صورة البحر رافدا شعريا يرسوا عليها زورق الشاعر، في شهر أبريل، وفي فصل الربيع، وشدي العصافير، والأشجار المورقة، لتزهر هذه الغفوة في مدينة الشاعر وأحلامه، وتتكتل لترسم صورة لسعادته وفرحته الطفولية، وابتهاجه بحلول فصل الاخضرار.
فَجْـأَةً،
أُدْرِكُ أنِّـي
عَلَى مَرفأ الْحُلْمِ
أَهْـذِي،
وَقَدْ أَعْيَانِي،
تَعَب الْقَيْلُولَةِ
فِي الْغُرَفَة الْمُظْلِمَةِ…
ليدرك الشاعر حلمه، ويستسلم لتعبه في غرفته المظلمة، يستريح من هذيانه، ذلك الحلم الذي يبلغ منتهاه في ذروة قيلولته، يستجمع قواه، ليواجه في لحظة غفوة حلمه الآسر، يرسمه على جدران قلبه السعيد الناصع البياض، ليعانق روحه الخالدة.
كلما أنهيتُ قصيدتي
سَالَ حِبري
على خدِّ ذاكرتي
هرعـتُ
إلى بحر طفولتي
أرسمُ زورقاََ
مِن ورق
ومطـراََ
يهطلُ
في آخر المساء…
نبش في أعماق الذاكرة، وبراءة الطفولة، من عمق الخيال، يحضر الورق وتحضر القصيدة، ويسيل الحبر دفاقا، يحاكي الذاكرة، بلوحة جمالية، تعبر الكائن والممكن والمحال، وترسم بريشة الحرف، زورقا، ومطرا يهطل في آخر المساء ، ينجح المقطع الشعري في استيعاب شكل القصيدة الحديثة التي تعانق أسرار الإبداع، لتحمل مضمونها الفريد الذي تتميز به عن غيره، وتخلق الدهشة وتمسك اللحظة، عند شاعرنا شفيق الإدريسي، دام الإبداع وردا وزهرا وماء رقراق….
: كُلِّ شَـيْءٍ…
لَمْ يَعُدْ فِي مَكَانِـهِ
الْبَحْرُ تَحَوَّلَ إلَى نَهْرِ صَغِيـرٍ
يُطَارِد أَسْرَابَ النَّـوارِس
الْآتِيَةِ مِنْ الْجَنُـوب…
صَفْحَةٌ مَائِيَّـةٌ
تَحَجَّرَتْ مِنْ جَمْـرِ
الأَسْلاكِ الشَّائِكَٕةِ
تَحْجُب وَمَض الْعَيْـن
مِن الزُّرْقَة اللَّامتناهيـة
وَالْمَرَاكِب الطاعنة فِي السِّـنِّ
تَدُكُّها الْأَحْجَار الْقَاسِيَة الْمَشَاعِـر
ضَاعَ أُفُق الْحُلْـم
عَلَى متاريس حَدِيدِيَّـةٍ…
تُشْبِه آلَات الْحُرُوب الْوَحْشِيَّـة
كُلِّ شَيْءٍ هُنَـا ،
أُصِيبَ بِرَمَدِ النِّسْيَـان
ذَاكِرَة الطِّفْل الْبَحْرِيّ
وَالْعَيْن الَّتِي تَطْرُز
حكايا العابرين
والرمال الذَّهَبِيَّة…-
هو البحر يفتح أفق حلم الشاعر، فضاء ذلك الطفل البحري، وتلك الأشرعة الممتدة والنوارس، والعين وحكايات العابرين، والرمال الذهبية، ولغة الأحجار والماء، ذلك البحر الذي تحول إلى نهر صغير، تداعب الشمس صفحته الآسرة، ويغرق في النسيان، تراقبه الطيور والإنسان، وتتدفق بين جنباته الكلمات، والأحجار. لتتحول إلى رماد للنسيان.
أَخْرَجَتُ الزَّمَانَ
مِنْ جَيْبِي
وَارْتُمِيَتُ…
فِي حِضْنِ مَوْجَةٍ
تَنَهَّدَتُ،
مِنْ صَاعِقَةِ الْعِشْقِ
كِلَانَا لَا يُحِبَّانِ الِانْتِظَارَ…
يلتقي الشاعر مع العاشقة في كره الانتظار، فيخرج الزمان من جيبه ويرتمي في حضن الموجة، متنهدا بآثار العشق في نفسه.
ولقد زيَّنا الأرض
بِأشجار الزيتون
وعناقيد اللًيمون…
وفي عروق،
الأغصان،
وأوراق الكُروم
أمـدُّ يدي،
إلى الرّبيع
لعلّ قطرةَ ماء
تُحيي الحَجَر الرّميم
وتكتبُ أزهار الحديقة
على أجنحةِ الفراشات
أشربُ،
من خزف النّهر
كُمون الحيـاة
تحتفي ذات الشاعر بعبق الطبيعة، فتشرب حياتها من رحيق النهر، وها هي أشجار الزيتون والاغصان وعناقيد ليمون، وعروق الاغصان واوراق الكروم، والماء تحيي ربيع الذات، وتكتب أزهار الحديقة الرائعة عل اجنحة الفراشات .
ربيـع الشِّعـر…
حِين يَهزِمنِي الدَّهْر ،
أَرْحَلُ إلَى غُصْنٍ الشِّعْر
وَحِيدًا . . .
كَمَثلِ عُصْفُورٍ
يَطِيرُ مُتَنَقِّلًا بَيْن شَجَرَة وَأُخْرَى
آه…
كَم حَزِينٌ هُوَ الِانْتِظَـارُ
مَتَى أيَّتُهَا الْغَمَامَـةُّ ،
تُشْرِقُ الشَّمْسُ
مِن جَبْهَتِـي…
وَينسابُ الْمَاء
مِن جِسـري…
وَفِي حَدَائِق الْجَمَـال
حَيْثُ كُلُّ الْوُرُود عَيْنَاي ،
وَأَنَا ثَمِلٌ مِنْ الْحُـبِّ
فِي شَهْرِ عَسَل الشِّعْـرِ
أتَرقَّبُ كُلّ لَحَظَات الْحَيَاة
كَمَا السَّاعَات . . .
الَّتِي تَمْضِي سَرِيعًا
مِنْ دُونِ خفقان الزَّمَان.
يلوذ الشاعر بالشعر والكتابة، فيرحل كعصفور إلى غصن شجرة، وحيدا، ففي الطبيعة سيرتاح بعد أن تعب من طول الانتظار، ليدخل حدائق الجمال، ويعانق الورود، ويقطف من عسل الشعر، ورحيق الكلمات، ترقب للزمان وللساعات وانتظار للزمن.