حين يطرق المكتب باب البيت: العمل عن بُعد يقترب من شرعيته الكاملة”

القضية بريس14 مايو 2025آخر تحديث : منذ 7 أشهر
القضية بريس
كُتّاب وآراء
حين يطرق المكتب باب البيت: العمل عن بُعد يقترب من شرعيته الكاملة”
هند بومديان 

في خضمّ التحولات الرقمية الكبرى، ووسط عالم يتسارع إيقاعه بشكل غير مسبوق، يوشك “العمل عن بعد” أن ينتقل من خانة الاستثناء إلى مربع القاعدة، ومن تجربة ظرفية إلى منظومة دائمة، بعد أن كشفت السنوات الأخيرة – وخاصة فترة الجائحة – عن مرونة هذا النمط، وفعاليته في مختلف القطاعات.

 

التحولات المتسارعة دفعت الحكومات إلى التفكير في تقنين هذا الشكل الجديد من العمل، ليحظى بإطار قانوني واضح يحمي حقوق الطرفين: رب العمل والعامل. فهل نحن أمام ثورة هادئة تُعيد رسم خريطة الإنتاج؟ أم مجرد محاولة لترقيع واقع هشّ لا يستطيع الصمود في وجه استحقاقات الزمن الرقمي؟

 

في كثير من البلدان، لم يعد العمل مرهوناً بجدران المكتب ولا بساعات الحضور والانصراف. الكفاءة صارت تُقاس بالنتائج لا بالدوام، والالتزام أصبح مفهوماً مرناً يرتكز على الثقة والانضباط الذاتي، لا على الرقابة التقليدية. ومع ذلك، يطرح تقنين العمل عن بعد مجموعة من الأسئلة الحرجة: كيف يمكن ضمان العدالة في الأجور؟ من يتحمل مسؤولية الحوادث أثناء العمل من البيت؟ وهل يمكن فعلاً الفصل بين الحياة المهنية والشخصية تحت سقف واحد؟

 

العديد من الخبراء يرون أن الإطار القانوني ضرورة ملحّة، ليس فقط لحماية العاملين، ولكن أيضًا لتنظيم العلاقة المهنية، وضمان المساواة في الحقوق والواجبات، ولتجنب استغلال مرونة العمل عن بعد في فرض ساعات عمل غير مدفوعة، أو تحميل الموظفين تكاليف تشغيلية إضافية دون مقابل.

 

التقنين القادم لا يجب أن يكون مجرّد نصوص جامدة، بل رؤية شمولية تراعي التحولات النفسية، الاجتماعية، والتكنولوجية التي رافقت هذا النمط من العمل. فالعامل عن بُعد لا يحتاج فقط إلى عقد، بل إلى بيئة عمل رقمية سليمة، إلى احترام الخصوصية، وتوازن بين التزامات العمل ودفء الحياة العائلية.

 

العمل عن بعد ليس مجرّد خيار تقني، بل مسار ثقافي يتطلب إعادة بناء المفاهيم: حول الإنتاج، الالتزام، والجدارة. وتقنينه اليوم ليس رفاهية قانونية، بل ضرورة لضمان استدامة هذه الثورة الصامتة التي بدأت دون أن تستأذن أحداً.

الاخبار العاجلة