في أجواء شعرية نابضة بالإبداع، اختُتمت فعاليات الدورة الثامنة للملتقى الوطني “حروف”، الذي نظمته دار الشعر بمراكش، احتفاءً بالشعراء والنقاد الشباب المتوجين بجائزتي “أحسن قصيدة” و”النقد الشعري” في دورتها السادسة. وقد احتضنت فضاءات دار الشعر على مدى يومين لقاءات إبداعية ونقدية مكثفة، جسدت حرص المؤسسة المنظمة على الانفتاح المستمر على الأصوات الشعرية الجديدة، وتعزيز حضورها داخل الساحة الثقافية المغربية.
وشارك في هذه الدورة أكثر من 25 شاعراً وشاعرة من مختلف جهات المغرب، إلى جانب نقاد شباب تميزوا في مجال الدراسة النقدية المعاصرة، حيث قدّم المشاركون قراءات شعرية ومداخلات فكرية، نابعة من تجارب إبداعية متجددة. وشكل الملتقى، كما في دوراته السابقة، محطة رئيسية لتقوية جسور التفاعل بين الشعر والنقد، وللإسهام في صياغة ملامح الجيل الجديد من الكتّاب المغاربة.
وقد عرف الملتقى تقديم إصدارات جديدة ضمن سلسلة “إشراقات شعرية”، وهي السلسلة التي تضم قصائد الشعراء المتوجين ومختارات من نصوص مختارة من طرف لجنة التحكيم، بالإضافة إلى مقالات نقدية لكتاب ونقاد شباب، في خطوة تروم مأسسة التراكم الأدبي ومواكبته بالنشر والتوثيق. وتم خلال اللقاء أيضاً توقيع الكتاب النقدي المتوج بجائزة النقد الشعري للناقد عبد الله صدوكي، تحت عنوان “التبريح القرائي في التشريح المقروئي؛ تجاذبات نصية مع نصوص شعرية مغربية”، وهو عمل يقترح قراءات معمقة في تجارب شعرية مغربية وازنة، محاولاً تفكيك بنياتها الجمالية ورؤاها الفكرية.
وشهدت الجلسات النقدية أيضاً مداخلات متميزة لكل من خالد العنكري، الذي اشتغل على تأويلية العتبات في الشعرية العربية المعاصرة، وفاضمة نايتخويا لحسن التي أعادت الاعتبار لمنجز الشاعرة الأمازيغية مريريدة نايت عتيق من خلال قراءة تتجاوز النمطية وتستدعي البعد الإنساني والفني في شعرها.
ومن اللحظات القوية في هذه الدورة، مشاركة شعراء من دول إفريقية شقيقة، من بينهم صوري إبراهيم تراوري من مالي، الذي قدّم نصاً شعرياً ناطقاً بشجن الهجرة والحنين والانتماء، في تعبير عن البعد الإفريقي الذي بات يشكل جزءاً من هوية دار الشعر بمراكش.
كما تقاسم الشعراء الشباب المساهمون في الديوان الجماعي قراءاتهم أمام جمهور متنوع، توزعت قصائدهم بين الفصحى والدارجة والأمازيغية، في تنوع لغوي يعكس غنى المشهد الشعري المغربي. ومن بين المشاركين: حسين أقديم، عبد الحق بالمادن، إبراهيم آيت أحمد، يوسف بوفوس، خديجة الشلح، شيماء قويون، رشيد الدحوم، محمد بوكريم، عبد الرحيم أصبان، وآخرون، حيث عبّرت قصائدهم عن عمق وجداني وتجريبي يعكس وعياً شعرياً متطوراً.
وأجمع النقاد والمشاركون على أن ملتقى “حروف” أضحى فضاءً حيوياً لاحتضان الطاقات الشابة وتثمين منجزها، وأنه يكرّس دور دار الشعر بمراكش كمؤسسة ثقافية تسعى إلى إرساء ثقافة الاعتراف والمواكبة المستمرة للمبدعين الشباب. ومنذ تأسيسها سنة 2017، تواصل الدار تنفيذ استراتيجية تروم النهوض بالفعل الشعري المغربي، وربط الإبداع بالمؤسسة، والنص النقدي بالحياة الثقافية، في سبيل إحياء حضور الشعر داخل المشهد الأدبي والإعلامي على السواء.
لقد عكس الملتقى، في دورته الثامنة، مشهداً متجدداً ومتنوعاً من حيث الأصوات والزوايا والرؤى، مؤكداً أن الشعر المغربي لا يزال يحتفظ بنداه الإبداعي، وأن الأصوات القادمة من الهوامش، ومن العمق الإفريقي، ومن ضفاف التجريب، قادرة على إعادة تشكيل الخريطة الشعرية بأساليب جديدة وأسئلة جمالية تتطلع إلى المستقبل.












































