حين يصبح خريجو ISADAC رواة وطن… وأمين النسور مهندس الحكاية

القضية بريس27 يوليو 2025آخر تحديث : منذ 4 أشهر
القضية بريس
فن وثقافة
حين يصبح خريجو ISADAC رواة وطن… وأمين النسور مهندس الحكاية
كريم حدادي

في قلب قصبة أكادير أوفلا، حيث الحجارة تنطق بالتاريخ وتنبض بالهوية، وفي موقعٍ يعشق المغاربة كل ذرة من ترابه، شهدت المدينة واحدة من أجمل التظاهرات الفنية وأكثرها غنى بالرمزية والعمق: “نوستالجيا”، تجربة مسرحية حسية تنقل الزائر في رحلة عابرة للزمن، احتفلت من 23 إلى 27 يوليوز الجاري بالثقافة المغربية والأمازيغية في أبهى تجلياتها.

هذا العمل المسرحي الاستثنائي ليس مجرّد عروض، بل تحفة فنية حيّة، أبدع في إخراجها باقتدار المخرج أمين النسور، الذي استطاع أن يحوّل فضاء القصبة إلى مسرح مفتوح نابض بالشخصيات والرموز. باختيار دقيق للممثلين، ورؤية إخراجية تمزج بين الشعر والبُعد البصري والسرد التاريخي، قدّم النسور تجربة فنية نادرة، تُكتب له في سجل المسرح المغربي الحديث، حيث كان لكل مشهد وزن، ولكل لحظة عمق، ولكل حركة دلالة

نهال سلامة: حضور أنيق من الدراما إلى الأسطورة

IMG 20250727 WA0239 - أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

 

تتألق الممثلة نهال سلامة، التي صنعت لنفسها بصمة خاصة في الساحة الفنية، بصوتها الهادئ وأدائها العميق. خريجة الفوج 35 من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي (ISADAC)، نهال أسرَت قلوب الجمهور من خلال أدوار تلفزية مؤثرة، أبرزها شخصية “عبلة” في مسلسل “الشرقي والغربي”.

في “نوستالجيا”، تخوض نهال تجربة مغايرة، تغادر فيها درامية الواقع نحو فضاء الأسطورة، حيث تقول في تصريحها:
“في نوستالجيا أؤدي شخصية ماريا الحاكمة أو الملكة، زوجة الحاكم دون بيدرو دي ماس كاريناس، الذي منحه الملك إيمانويل الحكم على سانتا كروز، في منطقة كانت تغلي بالمشاكل حول المياه والبحار. يتفق البرتغاليون على قتل الحاكم المغربي أجناو.”

وتضيف: “تبدأ القصة بصعودي إلى القصبة، مرورًا بالسعديين، ثم أبو قناديل، ومن بعدها ننتقل إلى العلويين لرؤية العرش. ومن هنا تنتهي الرحلة الأولى، في انتظار فوز جديد لخوض التجربة من جديد، ليستمتع الجمهور العاشق لهذا النوع من الفنون.”

محمد الغايتي: شاعر الذاكرة وصوت الأسلاف

WhatsApp Image 2025 07 27 at 19.48.47 - أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

 

بصوته العميق وحضوره الرمزي، يطل علينا الممثل محمد الغايتي، أحد خريجي المعهد العالي للفن المسرحي، الذي أكّد مرارًا أن الفن ليس فقط تقنيات بل إحساس ومسؤولية سردية. اشتهر بأدائه اللافت في مسرحية “الحراز” للمخرج أمين النسور، حيث قدّم أداءً خُلد في أذهان المتفرجين.

في “نوستالجيا”، يجسد شخصية “روح شالة”، ويقول: “ألعب دور روح الشلة، وهي حامل المشعل والحديث مع الزوار بالترحيب. بعد الترحيب، أقدّم المشعل إلى الراوية، التي تبدأ بسرد الحكاية عن الأجداد الذين عاشوا في هذه الأرض المباركة، وتقديم شروحات حول التاريخ.”
ويتابع: “ألعب دور كيان رمزي يحيي الذاكرة الجماعية ويستقبل الزوار في أولى لحظات العرض، ثم أُسلم المشعل إلى الراوية لتبدأ الحكاية.”

ويفتتح العرض بمقطع تمثيلي يتوجه به للجمهور بمزيج من الأمازيغية والخيال المسرحي:
“Bonaziwa omawinboune dowaminilor tchidomilor (سينتونسوفليت دينتريسوفليت ألا شالا) nu vä temetci… ماتخافوش، مرحبا بيكم فأرضكم، أنا روح من أرواح شلا… جيتكم مسافر فالزمان والجغرافيا والتاريخ، جايب معايا رواح جدودكم تحكي ليكم ما جرا وطرا فهاد الأرض المباركة لي فيها تاريخكم وحضارتكم وثقافتكم.”

ثم يخاطب شخصية “توناروز”:”أهلا توناروز، جيت باش نبلغك سلام أرواح شالا، وكايقولو ليكم أنهم على العهد باقون. اليوم بغيت نسلم ليك مشعل نوستالجيا، وبغيتك تحكي لضيافنا تاريخهم فهاد الأرض المباركة… باااتشي أي غريتشااا… أي غريتشااا!”

حمزة عارف: تحدي اللغة وتجسيد الأمانة التاريخية

WhatsApp Image 2025 07 27 at 19.49.30 e1753648673410 - أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة
يأتي حضور حمزة عارف في “نوستالجيا” ليُجسد الجانب الأمازيغي بواقعية وشغف. هو ممثل شاب تألق في عدد من الأعمال، أبرزها مسرحية “زوكو” التي نالت جوائز، وبدوره اللافت في مسرح الجامعة بشخصية “المفتش الكئيب”.

في هذا العرض، يتقمص شخصية “حامي السوق”، ويقول:”ألعب شخصية أمازيغية وهي حامي السوق، المسؤول عن الأمن فيه، وتعود إلى عهد الفينيقيين. تتمثل مهمته في الحفاظ على الميزان وعدم الغش في الكيل. واجهت بعض الصعوبة في أداء الدور بسبب اللغة الأمازيغية التي لا أتقنها، لكن هذا التحدي حفزني لأتعلمها وأغوص في الشخصية حتى تصل إلى قلوب الزوار.”

 

هاجر مسناوي: الراوية التي تمنح للتاريخ روحًا

WhatsApp Image 2025 07 27 at 19.50.14 - أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

 

الممثلة هاجر مسناوي، خريجة ISADAC، تؤدي شخصية “تودرت”، التي تُعد العمود الفقري للسرد المسرحي في “نوستالجيا”. هي صاحبة الحضور الرزين والصوت الحكائي العميق, عرفها الجمهور من خلال خشبة المسرح، كما ظهرت بتميّز في السينما عبر فيلم “جوج رواح” للمخرج علاء أكعبون، حيث أبانت عن قدرة كبيرة في نقل المشاعر والتعبير بلغة الصورة.

وفي تصريح خصّت به القضية بريس، تقول:”تودرت ترافق الزوار منذ لحظة ظهور بيدرو دي ماسكاريناس ومالك بن داود، في مشهد يجسد بداية انهيار مملكة السعديين، وصولاً إلى المشهد الأخير الذي يمثل بزوغ فجر السلالة العلوية العظيمة.”

وتتابع:”من خلال شخصية تودرت، نروي كيف تم التحالف بين دي ماسكاريناس ومالك بن داود، أحد المتعاونين مع البرتغاليين في سوس، وما ترتب عن ذلك من تغييرات تاريخية. كما نُعرّف الزوار بأهم المعالم داخل القصبة، مثل المسجد والمقبرة، ليعيشوا تجربة حسية تمزج بين الأداء والتاريخ والذاكرة.”

وتختم حديثها باعتزاز صادق: “الصحراء المغربية ليست مجرد شعار، بل هي انتماء وجذور ومجد، يجب أن يفتخر به كل مغربي ومغربية.”

“نوستالجيا” في أكادير أوفلا لم تكن مجرد تظاهرة، بل كانت محطة تؤكد أن خريجي المعهد العالي للفن المسرحي ليسوا فقط أبناء التكوين الأكاديمي، بل هم فنانون بالفطرة، ممثلون يولدون من رحم النص، ويتنفسون على الخشبة، ويسكنون تفاصيل الحكاية.

بفضل رؤية الدكتور أمين النسور وإبداعه الإخراجي، وبفضل هذا الجيل الشغوف من الممثلين، تحوّلت القصبة إلى ملحمة حية تنبض بالأصالة والجمال والعمق، ورسخت “نوستالجيا” كأحد أبرز الأحداث الثقافية والفنية التي عرفها المغرب هذا العام

الاخبار العاجلة