يشهد البيت الأبيض حدثاً غير مسبوق هذا الأسبوع مع وصول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، محاطاً بقادة أوروبيين بارزين، لعقد لقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذا الاجتماع، الأول منذ اندلاع الغزو الروسي في فبراير 2022، يأتي وسط تصاعد الضربات الروسية على أوكرانيا وتزايد النقاش حول مستقبل الحرب وأفق السلام.
ما يضفي على اللقاء ثقلاً سياسياً هو الموقف الحاد الذي أعلنه ترامب عشية وصول الوفود، حين شدد على أن استعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم أو انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي أمر “غير وارد”. هذه التصريحات لا تعكس فقط رغبة ترامب في فرض أجندة تفاوضية ضاغطة على كييف، بل تُظهر أيضاً مدى استعداده لتبني مقترحات موسكو بشأن التخلي عن أراضٍ في الشرق والجنوب مقابل ضمانات أمنية شكلية.
في المقابل، يظهر زيلينسكي مدعوماً بحضور أورسولا فون دير لايين، إيمانويل ماكرون، فريدريش ميرتس، كير ستارمر، ألكسندر ستوب، جورجيا ميلوني والأمين العام للحلف الأطلسي مارك روته. هذا الطيف الأوروبي يعكس محاولة واضحة لتشكيل جبهة موحدة تضعف أي توجه أميركي منفرد نحو إبرام تسوية تفرض تنازلات أحادية على كييف. فالهدف الأوروبي المعلن هو دفع موسكو نحو اتفاق سلام “عادل ودائم” مع الحفاظ على وحدة الأراضي الأوكرانية، في حين تفضل واشنطن بقيادة ترامب خيارات أكثر براغماتية تستند إلى موازين القوى الراهنة.
التباين بين الموقفين يعكس اختلافاً في أولويات الأطراف. بالنسبة لواشنطن، تمثل الحرب عبئاً مالياً وسياسياً، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الأميركية، ما يدفع ترامب إلى البحث عن مخرج سريع حتى لو كان على حساب سيادة أوكرانيا. أما الأوروبيون، فإنهم يدركون أن أي تسوية غير متوازنة ستترك القارة في مواجهة تهديد روسي دائم، وربما تعيد أجواء الحرب الباردة بشكل أكثر خطورة.
تتجه الأنظار أيضاً إلى ما ستؤول إليه النقاشات حول الضمانات الأمنية المقترحة لكييف. فبينما تحدث ترامب عن صيغة مستوحاة من المادة الخامسة لحلف الأطلسي دون منح العضوية، يرى كثير من المحللين أن مثل هذا الحل لن يبدد المخاوف الأوكرانية ولن يمنع روسيا من إعادة خلط الأوراق مستقبلاً.
وفي خلفية هذه المشاورات، تواصل موسكو الضغط العسكري عبر ضربات متجددة على خاركيف وسومي، في رسالة واضحة بأن الكرملين لا يرى في المفاوضات سوى وسيلة لانتزاع المزيد من التنازلات. ورغم حديث بعض الوسطاء عن “تنازلات جزئية” من جانب روسيا، إلا أن إصرار زيلينسكي على عدم التخلي عن أي أرض يضع سقفاً عالياً لأي حوار.
بهذا المعنى، يشكل اللقاء في البيت الأبيض اختباراً حقيقياً للتوازن بين الطموحات الأوروبية ورغبة ترامب في إنهاء الحرب بسرعة. وإذا ما فشلت المحادثات في تقريب وجهات النظر، فقد تعود لغة العقوبات إلى الواجهة، مع استمرار دوامة النزاع وتفاقم الكلفة الإنسانية والاقتصادية.
النتيجة النهائية لن تحدد فقط مستقبل أوكرانيا، بل ستترك بصماتها على شكل النظام الدولي لسنوات مقبلة. فإما أن ينجح الغرب في فرض تسوية تحفظ المبادئ الأساسية للسيادة والحدود، أو يفتح الباب أمام سابقة خطيرة تقنن منطق القوة وتعيد رسم الخرائط بقوة السلاح.







































