يشكل اعتماد مجلس الأمن للقرار رقم 2797 محطة فارقة في مسار نزاع الصحراء المغربية، ليس فقط لأنه يؤكد مركزية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، بل لأنه يعلن للمرة الأولى بلغة واضحة أن هذا الحل هو الإطار الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق لحل نزاع دام لقرابة نصف قرن. هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة جهد دبلوماسي مغربي مستمر وقراءة دولية جديدة تقوم على الواقعية السياسية، ومحاربة الإرهاب، والدفاع عن الاستقرار الإقليمي في منطقة مغاربية تهتز اليوم على وقع سياسات الجزائر ودعمها اللامشروط لجبهة البوليساريو الانفصالية.
منذ تقديم المملكة المغربية لمبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، اعتبر المجتمع الدولي أنّ المقترح المغربي يتمتع بجدية وواقعية وقدرة تنفيذية لا تتوافر في أي طرح آخر. ومع القرار 2797، أصبح هذا التصور قاعدة سياسية رسمية في مجلس الأمن، حيث تم الإقرار بأن الحكم الذاتي هو المخرج العملي الأكثر قابلية للتطبيق، وأن البدائل الأخرى لم تعد مطروحة فعلياً على طاولة الأمم المتحدة.
الاعتراف الدولي المتزايد يستند إلى عدة عوامل واضحة:
الشرعية التاريخية والقانونية للمغرب على أقاليمه الجنوبية.
الاستثمارات الكبرى في الصحراء المغربية التي جعلتها نموذجاً للتنمية والبنية التحتية في القارة.
الاستقرار السياسي والمؤسساتي للمملكة مقابل انهيار المشروع الانفصالي.
بهذا، لم يعد السؤال: “ما هو الحل؟” بل أصبح: متى وكيف سيتم تنزيل الحكم الذاتي؟
البوليساريو.. مشروع انفصالي مأزوم ومتورط في الجرائم
على النقيض من التقدم المغربي، تجد جبهة البوليساريو الانفصالية نفسها في عزلة غير مسبوقة، إذ بدأت أكثر من 40 دولة بسحب اعترافها بما يسمى “الجمهورية الصحراوية الوهمية”، ولم يعد لأي طرح انفصالي مكان داخل الأمم المتحدة. البوليساريو الانفصالية لم تعد حركة سياسية، بل جماعة مسلحة ارهابية متورطة في:
تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف، في خرق صارخ للقانون الدولي.
التهريب الدولي بكل أنواعه، بما فيه الأسلحة والوقود والبشر عبر الساحل والصحراء.
الارتباط بشبكات إرهابية في الساحل، بما فيها الجماعات المتطرفة الموالية للقاعدة وداعش.
قتل المدنيين واستهداف سائقي الشاحنات الأبرياء في اعتداءات إرهابية.
هذه الممارسات مكنت العالم من إدراك أن البوليساريو الانفصالية أصبحت أداة أمنية تستخدمها الجزائر للضغط على المغرب، وليس فاعلاً سياسياً قائماً بذاته.
الدور الجزائري في النزاع صار واضحاً، ويقوم على استراتيجية ثابتة تهدف إلى إضعاف المغرب عبر خلق كيان انفصالي في جنوبه. هذا الدعم لم يكن يوماً “تضامناً” مع القضية الصحراوية، بل جزءاً من عقيدة عسكرية جزائرية ترى في استقرار المغرب تهديداً للنظام القائم في الجزائر.
القرار 2797 كشف حدود هذه السياسة، بعد تورط الجزائر في:
تمويل وتسليح البوليساريو
عرقلة جهود الأمم المتحدة
إذكاء التوتر الإقليمي
رفض الحوار المباشر مع المغرب
احتجاز سكان مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري دون رقابة أممية
بدلاً من استثمار ثرواتها، تواجه الجزائر أزمة اقتصادية واجتماعية مزمنة، في الوقت الذي يعزز فيه المغرب مكانته الإقليمية والدولية.
القرار 2797.. تغيير جذري في قواعد اللعبة
يحمل القرار 2797 دلالات جوهرية:
إسقاط خيار الاستفتاء الذي أصبح متجاوزاً دولياً منذ عقود.
اعتماد الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كقاعدة تفاوضية معترف بها دولياً.
تحديد العملية التفاوضية في إطار واقعي يحترم سيادة المغرب ويضع حدّاً للادعاءات الانفصالية.
تمديد ولاية بعثة المينورسو لمدة سنة، بما يعكس رغبة المجتمع الدولي في استقرار الإقليم.
دعوة للمفاوضات دون شروط مسبقة، ما يسقط مزاعم البوليساريو الانفصالية ويقلص هامش المناورة أمام الجزائر.
القرار يمثل لحظة فاصلة لأنه يقطع مع الغموض السياسي السابق ويفرض إطاراً جديداً مبنياً على الواقعية السياسية والشرعية الدولية.
المغرب.. قوة دبلوماسية ورؤية ملكية واضحة
النجاح المغربي في هذا الملف جاء نتيجة جهد دبلوماسي طويل يقوده جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، يتمثل في:
تمسك المغرب بسيادته الكاملة على أقاليمه الجنوبية
الحرص على الحوار بدون تنازل عن الثوابت الوطنية
مد اليد للجزائر لإعادة العلاقات إلى طبيعتها
هذه السياسة أكسبت المغرب احتراماً دولياً، وعززت من شرعية الحل المغربي، بينما وضعت خصومه في عزلة غير مسبوقة.
تداعيات القرار على مستقبل النزاع
القرار 2797 يمهد لمرحلة جديدة يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
حصر العملية التفاوضية في إطار الحكم الذاتي.
تقليص هامش المناورة أمام الجزائر والبوليساريو.
تعزيز الاستثمارات في الأقاليم الجنوبية المغربية.
دعم الاستقرار الأمني في المنطقة.
فتح مخيمات تندوف للرقابة الدولية وتمكين المحتجزين من العودة إلى وطنهم.
القرار 2797 ليس مجرد وثيقة تقنية، بل إعلان دولي بأن مقترح الحكم الذاتي المغربي أصبح الإطار الوحيد الموثوق والمقبول. ومع تعزيز المغرب مكانته الإقليمية والدولية، تواجه البوليساريو والجزائر عزلة غير مسبوقة، بينما يفتح القرار فرصاً تاريخية للصحراويين في مخيمات تندوف للعودة إلى وطنهم والمشاركة في التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في إطار الحكم الذاتي.
الصحراء المغربية لم تعد قضية قابلة للنقاش، بل واقع سياسي وقانوني وديبلوماسي راسخ.
إن المرحلة المقبلة ستتطلب شجاعة سياسية من جميع الأطراف، لكن الأسس اليوم واضحة:
الصحراء في مغربها… والمغرب في صحرائه.








































