وسط أجواء احتفالية استثنائية، اختُتمت فعاليات الدورة الثالثة من برنامج “نزاهة شعرية”، الذي تنظمه دار الشعر بمراكش، في قلب دوار إمسوزارت بجماعة تبقال، حيث احتشد أزيد من 1400 متفرج ومتذوق للشعر على مدى يومين من الفرح الإبداعي، في حضرة القصيدة الأمازيغية والعربية، والموسيقى الجبلية، والاحتفاء الجماعي بالكلمة في أبهى تجلياتها.
الحدث، الذي جرى يومي 25 و26 يوليوز، لم يكن مجرد مهرجان عابر، بل تجربة ثقافية متجذرة في التربة، عنوانها الأبرز: الشعر يعود إلى الناس، إلى الفضاء الطبيعي، إلى الجبل، إلى الشجرة، إلى الإنسان البسيط في عمق الهامش، حيث لا تصل المراكز الثقافية ولا صالونات النخبة. إنه رهان دار الشعر بمراكش، الذي يتكرس دورة بعد دورة: إخراج الشعر من قاعات الفنادق وردهات المؤتمرات، وإعادته إلى الفضاءات العمومية، إلى ساحات “أسايس”، حيث الإلقاء فرجة، والإنصات طقس جماعي، والقصيدة جزء من يوميات الناس.
وقد افتتحت الفعاليات بأمسية “ليلة الشعر في ضيافة أطلس الشامخ”، حيث قدّم شعراء مشتل دار الشعر بمراكش قصائدهم بلغة الأرض والجبل والذاكرة. شارك في الأمسية: عبد اللطيف السخيري، خديجة السعيدي، إسماعيل أيت إيدار، يوسف أيت المودن، آمال الغريب، بدر هبول، تحت تنسيق الشاعرة والمترجمة مريم إتجو، التي أضفت على اللقاء مسحة من الدفء الإنساني والاحتراف الجمالي.
وفي اليوم الثاني، تحوّلت ساحة إمسوزارت على ضفاف الوادي إلى ملتقى كبير، حيث أقيمت أمسية شعرية كبرى تم خلالها تكريم الشاعرة الأمازيغية التقليدية رقية عطية، واحدة من الأصوات النسائية المؤسسة للقصيدة الغنائية في سوس، بحضور استثنائي ومشاركة فرقة أحواش “مزكمات” التي أعادت الشعر إلى سياقه الطبيعي، حيث القصيدة تُغنى، وتُرقص، وتُصفّق لها الأيادي كما تُنصت لها القلوب.
كما قدّمت الشاعرة لطيفة أثر رحمة الله، القادمة من أكادير، قصيدة مهداة إلى فلسطين، أعادت فيها للقصيدة العمودية بريقها، فيما اختتم الشاعر إبراهيم ألهوكار التظاهرة بقراءات شعرية تفيض حباً للأرض والناس، في تماهٍ مع النسيج الجبلي الذي احتضن الحدث بحب وعفوية.
“نزاهة شعرية” لم تكن فقط لحظة شعرية، بل تجربة ثقافية تؤكد أن القصيدة حين تغادر مركزها المترف وتطرق أبواب الجبال والقرى، تولد من جديد… أكثر قربًا، أكثر صدقًا، وأكثر شرعيةً بين جمهور اختار أن يحتفي بالحياة على إيقاع الكلمة.











































